ليست دعايات شركات اتصال

تغري شعارات المرشحين باحثي العلوم الاجتماعية والسياسية وكاتبي المسلسلات الساخرة، وحتى يقوم باحث جاد بتجميعها وفرزها وتبوبيها وتحليلها، يمكن رسم ملامح عامة لها.
أولا؛ أنها ليست سياسية، وكأن المرشحين يسوقون لعرض جديد لشركات الاتصال، أو يروجون هاتفا نقالا بإمكانات غير مسبوقة. فهي تعتمد الإبهار في الألوان والصور والكلمات من دون أي مضمون سياسي ذي معنى.
تندر الشعارات السياسية داخليا وخارجيا، فمثلا لا ذكر لأي من القضايا السياسية الساخنة مثل قوانين الانتخابات والاجتماعات والنشر الإلكتروني، ولا الاقتصادية كالضرائب والضمان الاجتماعي.
ثانيا؛ الإغراق والإسراف في الشكل. فالمحور هو صورة المرشح واسمه وألقابه، فتجد صورا من شتى الأحجام للمرشح وبالأوضاع كافة، والغريب هو الإفاضة في الاسم واللقب وبأحجام وألوان متعددة. طبعا الهروب إلى الشكل لضحالة المضمون.
ثالثا؛ غياب السيرة والتاريخ، سواء من خاض تجربة سياسية محدودة أو من كان بلا تجربة، فإن من حق الناخب أن يدقق في سيرة المرشح، فأوباما يعرف الناس في أي مدرسة ابتدائية تخرج وفي أي جامعة تخصص وأين تقلب في أعماله، ولا يغيب عنهم تفاصيل حياته الأسرية من أمه إلى جدته إلى ابنته إلى الحيوانات الأليفة في منزله.
القاعدة عندنا يبدأ المرشح من الصفر وعفا الله عما سلف إن كان لدى المرشح ما سلف.
رابعا؛ غياب القضايا الخارجية الملحة. قد تصنف القضية الفلسطينية بأنها ضمن السياسة الخارجية عربيا، في الأردن تعتبر شأنا داخليا، ومع ذلك تغيب كثيرا عن الشعارات. ليقل لنا مرشح "نعم لحل الدولتين" وليقل آخر" لا لحل الدولتين". أما العراق والقضايا العربية الأخرى وآخرها انفصال السودان، فوجودها باهت جدا.
خامسا؛ تصادف الانتخابات ذكرى تفجيرات عمان. ولا نجد مرشحا يحدد موقفا من الإرهاب ضده أو معه، ويحاول أن يؤصل مفهومه ويميز بينه وبين الجهاد المطلوب والمفروض. ليقل لنا مرشح أن أميركا إرهابية وأن الجهاد فريضة، وليرد آخر وليقل القاعدة إرهابية والسلام خيارنا. طبعا أكثرية المرشحين يتلعثمون عند الحديث عن قضايا ذات حساسية دينية أو أمنية.
سادسا؛ غياب تام للجدل الاجتماعي والثقافي، فلا يوجد حديث صريح عن مواضيع لها علاقة بحرية المرأة، أو مناهج التربية والتعليم، ولا حديث عن مسرح ولا موسيقى.
قيل في اليمن عندما توحد في إطار مرجعية إسلامية أن التعددية في اليمن تعددية برامج لا تعددية مناهج. وما أراه في عمان لا تعددية سواء في البرامج أم المناهج، اللهم تعددية شركات الإعلان. وهذه ليست دعايات شركات اتصالات، إنها انتخابات سياسية. نعم سياسية يخوضها سياسيون! (الغد)