الشطار الجدد!!

كتب الكثير في الماضي عن الشطار والعيارين وهم لم يكونوا بهذه الوفرة وبهذه الاقنعة ، فقد تطورت وتغيرت ظواهر عديدة في التاريخ ، لكن الدوافع لم تتبدل سواء كانت نزعة العدوان والسلب أو التذاكي على الآخرين لخداعهم ، وشطار هذا الوقت بخلاف اسلافهم قبل قرون ، انهم ماهرون في محاكاة النماذج البشرية كلها وفي تقليد الاصوات والصفات ، فحياتهم حفلة تنكرية مستمرة ، ولديهم في حياتهم قواعد ذهبية لا يحيدون عنها ، لان الزمار يموت واصابعه تلعب كما يقال.
وحين كتب الروائي خيري شبلي روايته الشهيرة الشطار والتي تحولت الى فيلم سينمائي جعل من هذه الفئة أناسا حققوا كل ما حلموا به وبأقصر الطرق ، لانهم محتالون وافاقون وليس لديهم اية روادع او كوابح ، فمن فقد الحياء له ان يفعل ما يشاء ، فلا رأي الآخرين يعنيه ، ولا رأي له بنفسه لأنه استأصل ضميره ورماه للكلاب على الرصيف،
شطار الأمس كانت لهم مناطق شرف احتياطية مثلما كان للصعاليك فروسيتهم الخاصة ، بحيث قال احدهم بأنه يقسم جسمه في جسوم كثيرة ، ومنهم من كان يسرق ليطعم جائعا..
لكن شطار أيامنا ليسوا من هذه السلالة لأن أول درس تلقوه هو فقه الفهلوة وثقافتهم كلها تتأسس على ان ما يظفر به المرء عليه ان يهرب به شرط ألا يضبط متلبسا ، انهم ايضا ادوات يمكن استئجارها للقتل والتنكيل ، ان ما تبدل في زمننا شمل كل شيء فلم يعد هناك لصوص ظرفاء ، او صعاليك يبشرون بالمساواة ، والفقر لم يعد ايضا ذلك الفقر الذي عرفته الموسوعات والقواميس ، فالفقير الآن هو من يشكو من عدم حصوله على أحدث السيارات والاجهزة ، لهذا علينا ان نعيد تعريف كثير من المفاهيم الكلاسيكية ، وهناك مهن كانت تسمى بأسمائها الصريحة خصوصا ما له علاقة بالاتجار بالجسد ، لكنها اصبحت الآن تحمل اسماء اخرى بعد ان تدخلت كيمياء التجميل اللغوي ، والأمة التي اورثت ابناءها واحفادها مثلا يقول"ما تغلب به العب به"سبقت ميكافيلي بزمن طويل ، ما دامت الغايات تبرر الوسائل ، والهم اخيرا الحصول على الغنيمة.
في رواية الشطار لشبلي يكسب الشاطر كل شيء لكنه يخسر نفسه ، وان شعر بهذه الخسارة بعد فوات الاوان ، فكل شيء متاح ومسموح به ما دام الاحتكام النهائي للنتائج ، فلا أحد يسأل عن مصدر المال او الجاه ، ومن ينجذبون كبرادة الحديد الى مغناطيس الشطار ينفضون عنه بالسرعة ذاتها عندما يفلسون ، فالشطارة الآن مناخ وثقافة ولم يعد احد يتحرج من التظاهر بها حتى لو لم يكن ممن يتقنونها ، والشطار يسخرون من اي انسان سوي وبريء منهم مسكين لا يدرك اسرار اللعبة كما يقولون ، ولو فحصنا تحت المجهر خسائرنا القومية والانسانية لوجدنا انها من صناعة الشطار الذين جنوا على احفادهم وهم لا يعلمون،، (الدستور)