الميل الدائم للتهدئة

تم نشره الأربعاء 26 تمّوز / يوليو 2017 12:42 صباحاً
الميل الدائم للتهدئة
د.أحمد جميل عزم

ربما ما تزال ترتيبات مغادرة طاقم السفارة الإسرائيلية في عمّان ولا سيما الأمنيين منهم، التي أعلنت بعد مقتل أردنيين في السفارة في عمّان، غير واضحة تماماً، وكذلك الترتيبات الإسرائيلية في القدس، أو بكلمات أدق ترتيبات التراجع إلى وضع ما قبل 14 تموز (يوليو) في منطقة الحرم، ولكن الواضح أنّ النهّج الذي يحكم الموقف العربي في الشأن المقدسي، كما في الشأن الفلسطيني، عموماً، هو إطفاء الأزمات ومنع زعزعة الاستقرار، مع الرهان على السياسة والمستقبل لمواجهة السياسات الاحتلالية، في المقابل السياسة الإسرائيلية هي تفادي الأزمات، ولكن دون رهان على المستقبل، بل صناعة هذا المستقبل بفرض أمر واقع على الأرض دون انتظار. 

يقوم الإسرائيليون باستمرار ومنذ سنوات، بفرض أمر واقع جديد تماما من أهم معالمه تنظيم زيارات منتظمة، وصلوات في المسجد للمستوطنين المؤمنين بهدم الأقصى وبناء هيكل يهودي، فضلا عن بناء الأنفاق، ومع ذلك، منع الفلسطينيون من أي منطقة خارج القدس، من دخول المدينة، ويضاف كل هذا لسياسات أخرى منذ العام 1967، ويحتج الأردن باستمرار على هذه السياسات، فضلا عن الاحتجاج الفلسطيني الرسمي، ولكن دون التمكن من القيام بأي شيء عملي كبير يوقف السياسات الإسرائيلية، وفي بعض الأزمات يُمارس ضغط أردني وفلسطيني، (مع دعم عربي هزيل للغاية)، فيتراجع الإسرائيليون خطوة للخلف، ولكن لبرهة في انتظار التقدم خطوات للأمام. وبالتالي أصبح الموضوع تراجع خطوة كلما حدثت أزمة، والتقدم خطوات في أي فرصة، وحيثما جرى تمرير أي شيء بدون أزمات، بمثابة السمة العامة للسياسة الإسرائيلية، خصوصاً في القدس. 

في ضوء ما أعلن حتى الآن فالرابط غير واضح وغير معلن رسمياً بين إعلان الإسرائيليين نزع البوابات وكاميرات ركبوها مؤخرا، وبين خروج طاقم السفارة في عمّان، ولكن الموضوعين شكلا أزمة واحدة، أو أزمتين في أزمة. 

تشكل الأزمات في كثير من الحالات فرصا ذهبية لتغيير الواقع وفرض قواعد جديدة للعبة السياسية. وكانت أزمة البوابات، وتلتها أزمة السفارة، فرصتين ذهبيتين، لفتح بوابة مجمل السياسات الإسرائيلية، وخصوصاً موضوع دخول المستوطنين الاستفزازي المتتالي للحرم، وموضوع حرية العبادة والحركة وسياسات الاحتلال في القدس، وكذلك فرصة لفرض إعادة اهتمام المجتمع الدولي، والسياسة العربية الرسمية في الشأنين المقدسي والفلسطيني. 

أعلن الإسرائيليون أنّ قرار التراجع عن بوابات القدس، يتضمن العمل على "تركيب معدات تفتيش متطورة قادرة على تمييز الوجوه واكتشاف الأسلحة والمتفجرات"، وأنّ هذا النظام سيتم تركيبه خلال ستة أشهر. وبالتالي يخطط الإسرائيليون فعلا للخطوات المقبلة، ويتحركون ثانية، وهذا نموذج آخر لسياسة التراجع خطوة في الأزمات مقابل التخطيط للتقدم على الأرض  خطوات. 

أردنيا هناك الآن أزمة قتل إسرائيلية جديدة تضاف لأزمة قتل الإسرائيليين للقاضي رائد زعيتر دون وجود تفسير واضح لما حدث، أو أي اجراءات معلنة كتبعات للقتل الإسرائيلي. 

هناك شقان ينتجان عن أسلوب حل الأزمات وإطفائها، دون استغلالها، ودون الإصرار بمناسبتها، على المضي قدما بحل حقيقي لمجمل الصراع ووضع حد للاحتلال وسياساته. الشق الأول، هو ما ذكر آنفاً من استمرار الاحتلال بكسب نقاط فعلية على أرض الواقع وبالتالي المزيد من ميل موازين القوى لصالحه، وتعقيد فرص الحل السياسي وابتعاده أكثر. والشق الثاني، فقدان الشارع عموماً الثقة بالسياسات الرسمية بشكل أكبر. وعلى الصعيد الفلسطيني تحديداً، من النتائج ميل مزيد من الأفراد والشرائح الاجتماعية والأجيال الجديدة، لأخذ المبادرة للأمام بأنفسهم، بغض النظر عن وجود استراتيجية لديهم أم لا، وبغض النظر عن وجود قيادة توجههم أم لا. 

كان مستوى التنسيق والتنظيم في الحراك المقدسي هذه المرة ملحوظاً، في إشارة لتقدم قدرة النشاط الشعبي على تجاوز مسألة غياب القيادة الميدانية، وبالتالي سيكون السؤال أمام من قاد الحراكات هذه المرة، ما الذي سنفعله في المستقبل، سواء أثناء الأزمات المشتعلة، أو في مواجهة أزمة الاحتلال المستمرة دون توقف، ودون رد فعل دولي أو عربي رسمي فاعلين.

الغد    2017-07-26

 

 


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات