موازين القوة الدولية بين الشرق والغرب

مًن نظرية"قوس الأزمات"الأمريكية ، الى مسرحية"دائرة الطباشير القوقازية"لمؤلفها"برتولد بريشت"، تعود آسيا ، ومًن ضمنها الشرق العربي ، الى ساحة المسرح الخشبي الملتهب ، والمهدّدة بالتحوّل الى وقود لحربْ عالمية مدمّرة.
يُجمع المراقبون الاستراتيجيون على أن القارة الآسيوية ستكون ساحة لحروب كبيرة في النصف الأول من القرن الحالي. فمؤشرات الأوضاع ، على ساحة تلك القارة الكبيرة والممتدة ، خلال العام الماضي ، تعكس مدى الاضطراب والقلق ، واحتمال حدوث صدامات وحروب عسكرية في مختلف أطرافها. فالمشهد الحالي ، في آسيا ، يرتسم على الساحة بتواجد الجيوش والقوى العسكرية الكبرى الأساسية في العالم. وجميع تلك الجيوش تعيش في حالة تدريب ومناورات واستنفار ، وطوارئ واستعداد للمواجهة في أي وقت. وبعضها ، يخوض ، فعليّاً ، حروبا مستمرة ومتواصلة وساخنة هناك: اذ يتواجد على أرض المعارك الحربية في أفغانستان أكثر من سبعين ألف عسكري أميركي ، ومثل ذلك العدد تقريبا من قوات حلف شمال الأطلسي بدوله المختلفة. وفي الوقت نفسه ، هناك شبه استنفار ، واستعدادات واستعراضات عسكرية ضخمة ومستمرة ، في جمهورية ايران الاسلامية ، التي تواجه تهديدات مستمرة من الولايات المتحدة واسرائيل ، ما يجعلها باستمرار في حالة حرب متوقعة في كل لحظة ، وما يقتضيه ذلك مًن ضرورة الاستعداد لها. هذا بالاضافة الى الأوضاع دائمة التوتر في العراق ، التي تعكس صعوبة استقرار الأحوال. والى جانب الحربين ، في العراق وأفغانستان ، فقد اندلعت الحرب ، في خريف العام الماضي ، في بؤرة أخرى مًن القارة الآسيوية ، وبشكلْ غير متوقع ، وذلك في جنوب الجزيرة العربية حيث تمرّدت جماعات "الحوثيين" المسلحة على نظام الحكم الرسمي في اليمن ، واشتبكت معه في حرب واسعة ، جرّت اليها لاحقا دولة كبيرة مجاورة هي المملكة العربية السعودية. وباشتعال الحرب هناك ، أصبحت البؤرة مرشحة لتدخلات من قوى أخرى ، اقليمية ودولية. وقد تصاعدت حالة الاستنفار والاستعداد ، وتوقّع الصراعات ، على الساحة الآسيوية ، لتصل الى كلْ مًن"روسيا والصين والهند ". حيث يشعر كلّ مًن هذه الدول بأنه غير بعيد عن الأخطار والتهديدات المحيطة به ، وبالقرب من حدوده. كما شهدت الأعوام الخمسة الماضية تقاربا واضحا ، بين العمالقة الآسيوية الثلاثة ، ما أثار وهَيَّج توتر الغرب والأميركيين ، الذين يتوجسون ويخشون نهوض تحالف بين هذه القوى الكبرى ، يهدّد بنقل موازين القوى على الساحة الدولية من الغرب الى الشرق. وفي العام الحالي ، كان مًن المتوقع اندلاع حرب جديدة في القوقاز ، وبالتحديد في ظل تأزّم الأوضاع داخل"جورجيا"، وتضيّق الحصار على الرئيس"ساكاشفيلي"، ومع زيادة الدعم العسكري الغربي لـ"جورجيا"، خاصة بعد مغادرة بعثة المراقبين العسكريين التابعة للأمم المتحدة"أبخازيا"في الصيف الماضي. حيث تلاها رفض"أبخازيا"لتواجد القوات الأميركية ، ضمن بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة منطقتي النزاع ، باعتبار أن الخطة"الروسية - الفرنسية"، لتسوية النزاع في المنطقة لا تنص على ذلك ، بل وبات مًن الصعوبة بمكان بحث ملفّ انضمام"جورجيا"الى حلف"الناتو"، وذلك وفق أنظمته ولوائحه. اذ يرفض حلف شمالي الأطلسي منح عضويته لدول تُعاني مًن اضطرابات داخلية ، أو تتواجد على أراضيها قوات أجنبية(،). ما جعل نظام الرئيس"ساكاشفيلي"مضطرّاً للخروج مًن المأزق ، الذي يهدّد بقاءه في الحكم ، لاشعال حرب جديدة في"القوقاز". تلك الحرب التي لم يمنعه عنها هذا العام سوى انشغال واشنطن في أفغانستان ، وكذلك حاجة"الناتو" الى الدعم الروسي هناك.
أما البؤرة ، التي اشتعلت في القارة الآسيوية ، قبل عامين ، ولم تهدأ حتى الآن ، فهي منطقة "القوقاز"، المرشَّحة للتحوًّل الى ساحة حروب كبيرة ، تنجرُّ اليها قوى عسكرية كبرى. فقد شهدت تلك المنطقة حربا في صيف العام 2008 ، ما تزال تداعياتها قائمة الى اليوم. تلك التي بدأت بهجوم من" جورجيا "على جمهورية"أوسيتيا الجنوبية" الصغيرة ، وانجرَّت اليها القوة العسكرية الروسية الكبيرة ، حيث دخلت جيوشها أراضي"جورجيا"، لمطاردة القوات الجورجية المعتدية. وعلى الرغم مًن انسحاب القوات الروسية ، بعد أيام معدودة ، من الأراضي الجورجية ، الّا أنّ"جورجيا"عادت للتحرش بجيرانها الصغار:"أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية". كما شهد العام الماضي أكثر من ستين اعتداءً ، من القوات الجورجية على حدود البلدين الصغيرين. ولم يكن للرئيس الجورجي"ساكاشفيلي" أن يجرؤ على هذه التحرشات لولا وجود دعم وتأييد من واشنطن. ما تأكّد بزيارة نائب الرئيس الأميركي"جوزيف بايدن" الى "جورجيا وأوكرانيا"، في صيف العام الماضي. وهي زيارة منحت نظامي الحكم في البلدين دفعة معنوية ، وشجّعتهما على اعادة تصعيد الخطاب المليء بالشكاوى والنقد لـ "روسيا"، واتهامها بالجبروت والتسلّط وامتلاكها لأطماع امبراطورية ، فضلا عن الاتهامات باختراق سيادة أراضي جيرانها الصغار. ناهيك عن عودة النظامين المتهالكين الى دعوة الغرب للتدخل ، مًن أجل انقاذ بلديهما من وحشية وجبروت"الكريملين"الروسي. أما أوكرانيا ، فقد تزايدت مشكلاتها مع"روسيا"، خلال العام الماضي ، حيث بدأ بأزمة الغاز بينهما. غير أنّ مطالبها ، من"واشنطن"، لم تزد على أكثر من دعمها ، مًن أجل الحصول على عضوية حلف" الناتو" ، وعضوية الاتحاد الأوروبي ، الى جانب مطالتها للغرب ، عبر"واشنطن"، ل ادانة سياسة"موسكو"، بالتدخل في الشؤون الداخلية لـ" أوكرانيا"، ودعمها للمعارضة الأوكرانية ضدّ الرئيس. على امتداد القارة ، وفي البؤر الساخنة والمشتعلة ، أو في البؤر المهدّدة ، أو حتى في المناطق شبه الهادئة ، يعود قوس الأزمات ، بوتره الأمريكي الى التوتر المحموم ، ليعزف أغنية"دائرة الطباشير"، في الوادي المهجور بسبب الحرب الكونية الثانية. فهل مَن يُعيد الى العازف رُشده ، أم أنّ العالم سيواصل انتظاره ، لمتابعة مشهد ضياع الطفل مًن أُمّه ، وعودة القاضي الذي يرسم العدل بطباشير قوقازية..؟،. (الدستور)