تهنئة للشعب التشيلي

لقد كنت مأسوراً للفكرة الإبداعية التي تكللت نتائجها بالنجاح في عملية إنقاذ عمّال المناجم في دولة تشيلي، الذين حوصروا في أعماق الأرض لمدة تزيد عن شهرين من الزمان، ولقد غمرني السرور وأنا أشاهد خروجهم سالمين لأهلهم وذويهم، وسط ترحيب جماهيري عارم، وثناء إنساني شامل على مستوى العالم.
إنّ جوهر الفكرة يرتكز على البعد الإنساني، فاهتمام الدول بمواطنيها يعد علامة حضارية متقدمة وشهادة بشرعية نظام الحكم الشعبية، الذي يكرس الهدف الأعلى للسلطة أي سلطة هو السهر على خدمة مواطنيها، وبذل الجهد في تقديم أرقى أنواع الحماية والأمن لكل فرد ولكل مواطن، ويعد هذا أقوى مؤشر على نجاح الإدارة في القيام بواجباتها الحقيقية.
يحق للسلطات التشيلية أن تشعر بالفخر والزهوّ والنشوة، عندما بذلت جهدها، واستعانت بكل أصحاب الخبرة من أجل اجتراح وسيلة الإنقاذ المناسبة عمليّاً وتقنيّاً وتنفيذياً، الكفيلة بإخراج هؤلاء العمال، دون إلحاق الضرر بأي فرد منهم، ويحق لها أن تحتفل بهذا الإنجاز الرائع، الذي يصلح أن يكون مثالاً عملياً ونموذجاً إنسانياً، يتمّ مدارسته على مستوى العالم، من أجل نقل الفكرة وتعميمها وتطويرها والاستفادة منها.
إنّ انشغال الدولة كلها بهذا الهمّ، يعد من أرقى أنواع الانشغالات، ومن أرفع أنواع الهموم؛ لأنّ الدول تستمد هيبتها الحقيقية ومكانتها الرفيعة من خلال التفاني في خدمة مواطنيها. و استباب الأمن يكون ببسط العدل، وإنّ احترام السلطة وتقديرها يكون ببذل الجهد بالخدمة والسهر على راحة الرعيّة.
إنّ شعوب أمريكا اللاتينية بدأت تشق طريقها نحو التحضر والتقدم على الصعيد السياسي الديمقراطي، وعلى الصعيد الاقتصادي كذلك، والتقدم يكون جملة واحدة، وفقاً لمنظومة واحدة كذلك، فهذه فنزويلا التي تسير بسرعة نحو التحرر وامتلاك السيادة والاستقلال، وكذلك بوليفيا، أمّا البرازيل فقد استطاعت أن تقدم إحدى المعجزات البشرية على صعيد الحرية السياسية وحل المشكلة الاقتصادية المستعصية، بحيث استطاعت بجدارة أن تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في سلم النجاح والتقدم في تخفيف معدلات البطالة وزيادة الإنتاج القومي، وارتفاع معدلات التنمية.
إنّ تجارب شعوب أمريكا اللاتينية تستحق الاهتمام والدراسة من المفكرين والإصلاحيين العرب، فبعد أن كانت أمريكا اللاتينية جمهوريات موز، وإنتاج مخدرات وغسيل أموال بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت الآن تستنشق عبير الحرية، وتفتح عيونها على شمس الاستقلال وأضواء التقدم وصناعة الإنجاز المحلي الذاتي.
لا يجوز مطلقاً أن تبقى الشعوب العربية، وهي التي تملك أعظم رصيد فلسفي وأرقى تراث حضاري وسجل من التجارب الناجحة في قيادة العالم، أن تقبع اليوم في ذيل قافلة التقدم الحضاري على جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات.
لا يجوز للأجيال وقوافل الشباب الذين يمثلون 66% من الشعوب العربية أن ترضى بالقعود في مدرجات الكسالى ، ولا يجوز لهم الرضى بصرف أعمارهم الغالية في طوابير الانتظار وقطارات البطالة ، فالشباب هم عماد التغيير ووقود الإصلاح، وصنّاع المجد وأصحاب المستقبل، فلا يملك أحد مصادرة حقهم في المشاركة والإسهام في إنقاذ أنفسهم وخدمة أمّتهم ووطنهم. (الراي)