حفيدات سالومي!

من لم يقرأ التاريخ يتلعثم في قراءة الحاضر. يتعثر في السطور الاولى فيمضي الى مستقبل مجهول. ومن لا يعرف عدوه جيداً يكون ضحية جيدة جداً في معركة خاسرة.
العربي الآن يتأتئ في لفظ اسم وطنه وحقه ومائه. ويخطئ في حساب أبسط معادلات الصراع والسلام والمفاوضات. إذ إن المفاوضات بين طرف ضعيف جداً وطرف قوي جداً لا تعني سوى خسارة محققة للطرف الأول. ومن يحترق زيتونه أمام بيته فلا يمكن أن يضيء الزيت أمام عينيه فيسير مغمض العقل الى حتفه،
منذ أيام أطلق أحد خامات اليهود فتوى تبيح للمرأة - اليهودية طبعاً - أن تبيع جسدها من أجل مصلحة بني صهيون. وقد فوجئ من لم يقرأوا التاريخ بالفتوى لكأنهم قادمون جدد على الصراع القديم المتجدد.. ولكأن "سالومي" لم تكن يهودية، ولكأن جسدها لم يكن السلاح الذي قتل به النبي يحيى.
في ذاك الزمان ، قبل ثلاثة آلاف سنة ، كانت بلاد الشام خاضعة للحاكم الروماني هيرودوس. الذي كان وثنياً شريراً. اشتهى زوجة أخيه "هيروديا" الذي زاره في روما. فأخذها منه بالقوة ليتخذها زوجة له. كانت هي ذات انوثة فاتنة وكان هو العابث الماجن. فشجعته وأشعلت رغبته وهربت إليه مع ابنتها الصغيرة سالومي. أقامت معه في القصر الشاهق وسط حفلات الصخب والمجون. وفيما كانت "هيروديا" تتجول في القلعة وسط أشجار الزيتون والكروم سمعت دعوات النبي يحيى بن زكريا الذي كان يطوف في المنطقة مردداً: لا تحل لك ، لا تحل لك. مشيراً الى هيروديا وهيرودوس لأنها زوجة أخيه. سكنت كلماته أذنيها. فطلبت من هيرودوس أن يصغي الى ما يقوله يحيى. أمر الحراس أن يحضروه. وبَخه قائلاً: ألن تكف عن هذيانك؟ كرر يحيى: لا تحل لك.. لا تحل لك.
حاولت هيروديا تأنيب الحاكم على قتل يحيى إلا أن شيئاً داخله كان يمنعه فيما الحقد يتأجج في صدر هيروديا اليهودية ضد يحيى. استمر الوضع زمناً والحقد يتفاقم. خططت لتنفيذ مآربها بدفع الحاكم لقتل يحيى فأهدته ابنتها سالومي التي كانت راقصة ماهرة تبهر العيون بربيع جسدها. أغرت الحاكم وأوقعت به.
ذات مساء لا ينساه التاريخ ومن يقرأون التاريخ ، كان هيرودوس يحتفل بعيد ميلاده في حفل صاخب ماجن مليء بالسكر والراقصات شبه العاريات. وما أن وقعت عيناه على سالومي قال لها: أرقصي يا سالومي.
قالت بدلال وتمنع انهارت معهما مقاومته: لا أشعر برغبة الليلة. تذلل إليها قائلاً: أعطيك ما تشائين. أجابته: أريد رأس يحيى في طشت من فضة. بعد دقائق كان رأس يحيى في طشت تحت اقدام سالومي العارية ، وذهبت الى امها تقدمه هدية،،
سالومي لم تمت. ظلت تكرر شخصيتها في كل مرحلة من مراحل حياة اليهود وعلى مر الأزمان،
ليس غريباً أن يعلن الحاخام فتواه بل الغريب أن نفاجأ ونستغرب لكأننا آخر من يعلم بتاريخ عدونا ، لكأنه لا يكفينا اننا نجهل كيف نحمي منه زيتوننا و.. أرواح اجيالنا،. (الدستور)