مجانية التصنيف السياسي!!

مر زمن على العرب ولا يزال ، يصنف الناس فيه سياسيا وايديولوجيا بناء على آخر شخص شربوا معه فنجان قهوة في مكان عام ، او تبعا لعبارة قيلت في مناسبة ما لكن التأويل كان لها بالمرصاد.. وما قاله د. احمد زويل يصدق على معظمنا ، فقد قال هذا العالًم بأنه ذكر في احدى المناسبات انه تلقى تعليمه الابتدائي في زمن الرئيس الراحل عبدالناصر وامتدح مستوى التعليم في تلك الفترة ، ثم فوجىء في صباح اليوم التالي بمقالة عنوانها د. زويل الناصري.. انها الشخصنة ، الآفة المزمنة في تفكيرنا كعرب بحيث لا نفرق بين القول ومصدره وكأن كل كلمة ننطق بها هي امتداد لاجسادنا وكرامتنا الاجتماعية بحيث يكون الاختلاف معها بمثابة اعلان حرب،
نعرف ان هناك اشخاصا منهم مثقفون وعاديون صنفوا على انهم شيوعيون لاسباب لا علاقة لها بالانكار ، والعكس صحيح ايضا ، فليس كل ذي لحية متدينا او عضوا في حزب اسلامي ، لكن من كان يحمل وردة حمراء او يرتدي قميصا احمر كان يصنف على انه شيوعي الى ان اصبح فالنتاين اكثر شهرة في عالمنا البائس من كارل ماركس ذاته،
وحين كتب د. مصطفى حجازي كتابه المهم عن سايكولوجيا المقهورين توقف طويلا عند آفة اخرى غير آفة الشخصنة هي الاختزال ، والحكم الفوري والحاسم على الافراد ، دون احتكام الى اية قرائن أو حيثيات ، فهذا يساري وذلك يميني وما بينهما ليبرالي.. انها خطوط طول وعرض لا علاقة لها بالعقل السياسي ومناهج النقد ، والاختزال كما قال د. حجازي حوّل المرأة من كائن انساني الى مجرد وظيفة ، ثم حول المواطن الى مجرد رقم او صيغة ، واسباب ذلك عديدة ، في مقدمتها التربويات العشوائية ، وتلقين الاطفال مواعظ ومقولات وأمثال لها قوة القانون أو اكثر ، لأنهم في لحظة الاشتباك الحاسمة يحتكمون الى هذه المنظومة الرعوية من القيم ، فالآخر لا وجود له الا اذا كان مجرد ظل او صدى والفرد النموذجي هو الذي يمتثل كليا لما يتسلط عليه من ثقافة ومفاهيم ، وقد تكون الفردية والاعتراف بها حلقة مفقودة في ثقافتنا العربية ، فنحن قفزنا من القبائل الى الاحزاب ومن تجريد الى آخر ، وأول سؤال استنكاري يواجه به الفرد المختلف رأيا أو مزاجا هو: من تكون؟ وكأن عليه ان يكون قيصرا أو جنرالا أو امبراطورا كي يحق له استخدام ضمير المتكلم، لهذا كان شاعر امريكي متمرد هو كمنجز يصر على كتابة اسمه بالحروف الصغيرة لكي يعبر عن احساسه بتضييق الخناق على الفرد ، ولو أراد المثقفون العرب التعبير عن احساس مماثل لما كتبوا اسماءهم على الاطلاق واكتفوا بالأرقام مثلا أو الصفات،
ما قاله د. احمد زويل يتكرر يوميا في حياتنا ، ما دام الاعتراف بالمفاهيم والافكار بمعزل عن الاشخاص لا يزال خارج مدار ثقافتنا.
وقد لا ندرك احيانا عواقب تصنيف الناس سياسيا ، لأننا بحاجة الى خيال حيوي لتصور تلك العواقب ، في مجتمعات تعشق الاشاعة ، وتعتبر النميمة أرقى تسلياتها على الاطلاق..
ان للأصلع صفاتا أخرى أعمق من الصلع وكذلك القصير والأعمى والأطرش ، لكننا لا نرى ما تحت السطح بملمتر واحد،، (الدستور)