"المعهد الجمهوري" يكتشف الجاذبية في إربد

وصلت أقصى الشمال الغربي في أم قيس، وعلى امتداد الطريق طالعتني صور المرشحين تبشر وتعد بالتغيير، ولم أجد ما يفاجئ أو يستفز؛ فأكثر الناس حديثا عن التغيير هم مكرَّرون نتاج أوضاع مكررَّة. ما استفزني إعلان في إربد للمعهد الجمهوري (ما غيره) يدعو لحوار بين مرشحي قصبة إربد.
كنت سأرحب لو أن جامعة أميركية نظمت مؤتمرا عن الاحتباس الحراري أو مطاعيم الأطفال أو المحاكم الدستورية.. أما أن يأتي المعهد، أحد أذرع الحزب الجمهوري، من وراء البحار ليعلم المرشحين والناخبين الحوار فتلك طرفة سمجة. وسيقرأ الناس يوما على الموقع الإلكتروني للمعهد تقريرا عن فتوحات المعهد في محافظات المملكة.
ستكون صورة نمطية؛ مرشح يرتدي شماغا، ليقال أن المعهد ينشر الديمقراطية بين القبائل التائهة في الصحراء، ومرشحة أو ناخبة محجبة. إنها صورة للإسلام المعتدل، لقد تم إنقاذ السيدة من براثن تنظيم القاعدة، وكانت مشروع انتحارية لولا أن التقطها المعهد وعرفها كيف تحاور وكيف تتمكن (من تمكين المرأة).
تخصص ميزانيات لهكذا أنشطة، ربما يستفيد منها متعهدو التمويل الأجنبي، وربما تشجع عمالة الأطفال الذين يبيعون القهوة أمام قاعات الأنشطة الانتخابية. ويشغَّل صحافيون بالقطعة لكتابة ملخصات رديئة يضطر إليها محررو صفحات المحليات حشوا لملء الفراغات في صفحاتهم.
قبل أن يؤسس المعهد الجمهوري في عهد ريغان أيام الحرب الباردة كانت الأحزاب تنشط في إربد، ويصل إلى مجلس النواب سياسيون قادرون على تحريك الشارع ولا يحتاجون تمويلا أجنبيا لاستئجار قاعة يلتقون فيها مع ناخبيهم.
في عام 1989 كنت في السنة الأخيرة في جامعة اليرموك في إربد، وشهدت الانتخابات التي ترشح فيها الإسلامي والشيوعي والقومي والمستقل. وفي قاعة مجمع النقابات ضاقت الناس حينها بالحشود التي جاءت لتستمع لحوارات "التغيير" عندما كان عملية واقعية لا شعارا باهتا.
سجل المعهد الجمهوري في نشر الديمقراطية أقل ما يقال فيه إنه مريب، فقد نشرت مجلة "ماذر جونز" مقالا لجايمس ريدجواي قال فيه "أظهرت وثائق حكومية أنّ مجموعة تعنى بالديمقراطية قريبة من البيت الأبيض، وهي المعهد الجمهوري الدولي، عملت عكس سياسة الولايات المتحدة، وفضحها السفير الأميركي في هايتي، براين دين كوران. نصح رئيس المجموعة، ويدعى ستانلي لوكاس وهو من نخبة هايتي ومعارض لأريستيد، المعارضة الهايتية بعدم التعاون مع الرئيس لتقييد عمل حكومته وإطاحته. وقال السفير كوران إنّ لوكاس أبلغ المعارضة الهايتية أنّه يمثل النيات الحقيقية لإدارة بوش لا كوران. ونبه السفير رؤساءه في واشنطن من تصرفات لوكاس المعارضة للسياسة الأميركية، لكنّه صدم لاحقاً برفض الإدارة تقييد عمل المجموعة في 2002".
أردنيا، وفي انتخابات 2007 سيئة السمعة، أصدر المعهد تقريره الذي قدم تفسيرا "علميا" لتزوير الانتخابات الفاضح، وبدلا أن يتحدث عن التزوير أطنب في شرح "تراجع" الإسلاميين! ولنا أن نقارن بين المركز الوطني لحقوق الإنسان ودوره النقدي الإيجابي قبل وبعد الانتخابات ودور المعهد الجمهوري المروج لأخطاء تنكرت لها الحكومات من بعد. على الحزب الجمهوري أن ينشغل بالجرائم التي فضحتها "ويكي ليكس" في عهده بدلا من الانشغال في تعليم الناس أن الشمس تشرق من الشرق. أو يعيد اكتشاف الجاذبية في إربد. (الغد)