عشرون ألف عراقي سقطوا سهوا!

لان الاحتلال من اكثر جرائم التاريخ نقصانا بسبب وفرة القرائن والشهود فان احصاءاته مشكوك فيها حتى عندما يتعلق الرقم بقتلاه ، وما من احصائية دقيقة حتى الان عن القتلى الامريكيين في العراق ، وبالمقابل فان عدد ضحايا الاحتلال من العراقيين قابل يوميا للاضافة واخر ما تم الكشف عنه هو ان اكثر من عشرين الف عراقي من المدنيين سقطوا سهوا من القوائم ولا ندري كم سيضاف الى هؤلاء بعد شهر او عام او عندما يقيض لهذه الحرب شهود جدد تصحو ضمائرهم قبل فوات الاوان،؟؟
وقد يرى البعض من العرب الذين تلحقوا ضد المبيدات الوطنية والقومية ان العراق كله سقط سهوا في هذه المعادلة العمياء وها هم العرب يدركون بعد ان سبق السيف العذل كما يقال خسائرهم في العراق وهي خسائر لم تكن منظورة او محسوبة في تلك الايام العجاف ، عندما كان كل قيس عربي يغني لليلاه ، وليلى العامرية تنزف في كل ارجاء العراق وما من قيس يغني او يبكي عليها،
اية حرب تلك التي لا يمر يوم الا ويكتشف شيء من اسرارها ودوافعها وذرائعها الملفقة ؟؟
فمن اخذتهم العزة بالاثم واصلوا خداع انفسهم وخداع الاخرين كما فعل طوني بلير في مذكراته وهي مذكرات من طراز فريد ، الهاجس الوحيد لمن كتبها بل الفها هو تبرير الاحتلال وتبرئة الذات،
اما المتضررون من اية اكتشافات او حفريات في اطلال هذه الحرب فهم نوعان:
نوع يريد للتاريخ ان ينتهي عند اللحظة التي يقررها لانه يخشى المستقبل ، ونوع يتهرب من مسؤولية الدم ، ويريد للجرائم ان تكون كاملة وبالتالي تطوى ملفاتها في غياب الشهود،
وحين نقول بان الغرب ليس غربا كله او انه ليس متجانسا فان المقصود بذلك هو ان الدبابة التي تقتل وتحتل قد تكون امريكية او بريطانية لكن القلم الذي يفتضحها هو ايضا من تلك البلدان ، وهذا بحد ذاته امر مفزع ، بحيث ينوب عنا الغرب حتى في افتضاح غزاتنا ، وبذلك نكون مرشحين بقوة للاقصاء من التاريخ.
اية حرب تلك التي لا يمر شهر الا وتظهر من المخبوء والمستتر في ملفاتها صفحات جديدة،
فهي بدأت عندما اعلنوا عن انتهائها ، وهذا امر طبيعي بالنسبة لحروب تلفق اسبابها وذرائعها باثر رجعي وبعد ان تكون قد صمتت طبولها،
ان سقط عشرة او الف انسان سهوا من قائمة حرب كهذه امر قابل للاستيعاب لكنه غير قابل للتمرير او التأقلم معه ، لكن حين يصل عدد الساقطين سهوا الى عشرين الف رجل وامرأة وطفل فان المسرح كله يصبح عبثيا ، وما من سوريالية تبلغ ما بلغه من جنون الاستخفاف والمجازفة والانتهاك.
لقد تعاقبت زلات اللسان التي افتضحت الدوافع الحقيقية لهذه الحرب ، واستقال جنرالات منهم من اعترف بانه خدع مثل كولن باول ، لكن من يصرون على ان ما حدث كان مبررا هم الذين يحملون عبء هذا الدم امام الاجيال القادمة ، وهم لا يدركون اي عراق اضاعوا ، وان كل نخلة او قطرة ماء او حبة تراب ستردد على مدى الزمان كله الا لا برأتهم من دمي بغداد،
ان امة يسقط عشرون الفا من اعز ابنائها سهوا من قوائم القتل هي امة معرضة لان تسقط سهوا برمتها، (الدستور)