إنفاق جار بلا نفع

منذ تشكلت حكومة سمير الرفاعي نهاية العام الماضي، ووزير المالية محمد أبوحمور يروّج لأهمية ضبط النفقات، ومراجعة موازنة العام 2010 التي أقرّتها الحكومة الحالية، على اعتبار أنها تعاني من اختلالات جوهرية.
وفعلا قامت الحكومة بتخفيض النفقات وتحديدا الرأسمالية، كحل لمشكلة الموازنة العامة، وسوّقت تراجع النفقات على أنه إنجاز يحفظ في سجلاتها.
وأكدت، غير مرة، أنها خفضت رواتب الوزراء بمعدل 20 %، وقلّصت النفقات التشغيلية بذات النسبة، وقلتُ حينها إنّ هذه القرارات شعبية تهدف لتسويق وتمرير ما هو أصعب من خطط لفرض حُزم من الضرائب.
لكن ما أغفلته الحكومة، وأهملتْ الحديثَ عنه في غمرة تسويقها لإنجازها، بقصد أو من دون قصد، هو زيادة الإنفاق بشكل كبير منذ قدومها، حيث زادت النفقات بمبلغ يصل 814 مليون دينار.
وهذه الزيادة في النفقات تمت من خلال ثلاثة ملاحق للموازنة العامة، الأول صدر مطلع العام الحالي بقيمة 304 ملايين، والثاني بحوالي 160 مليون دينار، إضافة إلى ملحق بقيمة 350 مليون دينار أقرته قبل نحو شهر.
وبإضافة قيمة الملاحق لحجم الموازنة الأصلي والمقدر بحوالي 5.7 بليون دينار، نكتشف أن حجم موازنة العام الحالي بات يزيد على 6.51 بليون دينار، وهو حجم يفوق حجم النفقات في 2010 بكثير.
وإصدار هذه الملاحق يتعارض تماما مع توجّه الحكومة بضرورة ضبط النفقات، وتحديدا الجارية، كما أن هذا النهج لا ينسجم البتة مع الانتقادات الكثيرة التي وجهتها للحكومات السابقة، حيال توسعها في الإنفاق بشكل غير مدروس.
والمشكلة الأكبر أن معظم هذا الإنفاق الزائد هو نفقات جارية، في وقت قلصت فيه الحكومة حجم الإنفاق الرأسمالي، ما ساهم بتعميق حالة التباطؤ الاقتصادي التي يعيشها الاقتصاد.
وأرقام المالية العامة للفترة الماضية تحمل في طياتها كثيرا من التناقضات، ففي الوقت الذي ينخفض فيه العجز حوالي 330 مليون دينار، يظهر أن الدين العام ازداد بمقدار 98.9 مليون دينار ليصل 10.4 بليون دينار، مرتفعا بمعدل 7.9 % عن مستواه في 2009.واللافت أن تراجع العجز لم يكن أبدا نتيجة ضبط حقيقي للنفقات، على العكس تماما، فقد زاد حجم الإنفاق الجاري بمقدار 148 مليون دينار، فيما كان التخفيض الحقيقي في مخصصات الإنفاق الرأسمالي الذي تقلص بحوالي 278 مليون دينار.
فالزيادة في حجم النفقات تؤكد أن القائمين على السياسة المالية لم يجهدوا بعد لاعتماد سياسة انكماشية حقيقية لضبط النفقات الجارية وليس العكس، ما يؤكد أن أسلوب وضع الموازنة لم يستقم، ولن يتمكن، وفق المعطيات الحالية، من تقويم الاعوجاج خلال السنوات المقبلة.
والمنطق أن لا تأتي الحكومة وتحديدا وزارة المالية على انتقاد ممارسات حكومات سابقة ووزراء مالية سابقين في إعداد الموازنة العامة، إذا كانت ستنتهج الطريق ذاتها في إدارة السياسة المالية، وتتوسع بلا حساب في حجم الإنفاق بصورة لا تسهم أبدا في تعزيز أركان الاستقرار المالي والنقدي في المملكة، وتعزيز البيئة الاستثمارية المحلية. قبل أشهر حذرتُ من مغبة الاستمرار في بناء الموازنات تبعا لمزاج المسؤول، حتى لا تعود لثنائية العجز والدين كمشاكل تهدد بتقويض المنجزات والإطاحة بما تبقى للاقتصاد من قدرة على المقاومة.ومن جديد الحكومة، أي حكومة، أن تضع معايير واضحة وملزمة في إدارة بند النفقات، لتحمي الاقتصاد من الخراب وتضخ دماء جديدة في عروقه، إذ ليس من المنطق أن تتعاظم شهية الحكومة على الإنفاق بمئات ملايين الدنانير من دون أن نستشعر أثرا إيجابيا في الأداء الاقتصادي. (الغد)