هناك مبالغة شديدة في إعطاء أهمية وأولوية للاستثمارات، وخاصة القادمة من الخارج، باعتبار أنها المصدر الأول للنمو الاقتصادي. وبالتالي فإن الاستثمار هو الحل لمشكلة تدني نسبة النمو الاقتصادي في السنوات الاخيرة وعليه فإن المهمة الاقتصادية الأولى للحكومة هي جذب الاستثمارات.

في حالة الأردن لم نستفد كثيراً من الاستثمارات الأجنبية والعربية الواردة إلينا، بالرغم من ضخامتها لأنها لم تأت ِ لتنشئ مشاريع تشكل إضافة لعملية الإنتاج بل جاءت لتشتري مشاريع جاهزة وعاملة ورابحة، وبذلك يتغير اسم المالك ولكن الاقتصاد الوطني لا يستفيد.

ينطبق ذلك على الاستثمار في الاتصالات والبوتاس والفوسفات والاسمنت وبعض مشاريع الكهرباء، ولكنها لم تضف شيئاً إلى الاقتصاد الوطني ولم تخلق فرص عمل جديدة بل على العكس اعتقد مدراؤها أن هذه المؤسسات مكتظة بالعمالة الزائدة التي تعيق العمل وترفع الكلفة!. وقد أعلن بعضها عن خطط بمنتهى السخاء لإغراء أكبر نسبة ممكنة من الموظفين والعاملين بالاستقالة والذهاب إلى الضمان المبكر. وهكذا تم الاستغناء المبرمج عن مئات العاملين في الاتصالات والاسمنت.

نعم، الاستثمار مطلوب ويساعد في النمو ولكن هناك مصادر أخرى للنمو الاقتصادي لا تثير انتباه الكثيرين وخاصة من صناع السياسة الاقتصادية: المصدر الأول هو النمو الذاتي للقطاعات المختلفة، أي زيادة الإنتاج من نفس المرافق والتجهيزات المتاحة ليس فقط عن طريق تحسين الأداء الإداري بل أيضاً لأن بالإمكان أن تعمل بعض المصانع على مدار الساعة لو توفر الطلب على منتجاتها.

هنا نلاحظ أن الإحصاءات العامة تحسب نسبة النمو في كل قطاع ومساهمته في النتيجة النهائية للناتج المحلي الإجمالي، ذلك أن النمو الاقتصادي العام ليس سوى حصيلة نمو المرافق الاقتصادية الموجودة والعاملة.

لامر ما نحن مولعون بالاقتصاد الكلي الذي يضع جميع القطاعات في سلة واحدة، ومع أن هناك قطاعات تحقق نسب نمو عالية وقطاعات أخرى تنمو بسرعة السلحفاة أو لا تحقق نمواً على الإطلاق، وربما تسجل نمواً سالباً.

ليس بالاستثمار وحده ينمو الاقتصاد الوطني بل بالنمو الذاتي للقطاعات، وتحسين الإنتاجية، وقدر من الحماية للإنتاج الوطني تجاه الاجتياح الذي يتعرض له السوق الأردني دون أن تحرك الحكومة ساكناً.

الرأي    2017-08-17