لشاحنات المقدسة

تم نشره السبت 19 آب / أغسطس 2017 01:24 صباحاً
لشاحنات المقدسة
د.باسم الطويسي

لا جديد في هجوم برشلونة والهجمات الأخرى التي شهدتها مدن اسبانية الا المزيد من الضحايا الأبرياء، فعمليات الدهس بالشاحنات تجسد ظاهرة أخذت تتنامى منذ العام 2014، بينما الفاعل في كل مرة سجين سابق ومعروف لدى الشرطة والاجهزة الامنية، وفي كل مرة يعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن العملية، وكل مرة يطلع علينا خبراء الاسلام السياسي على الشاشات ويضفون على هذه التنظيمات الظلامية المزيد من القوة والقدرة على اختراق أعتى النظم الامنية، وفي كل مرة يواجه العالم الاسلامي هذه الهجمات بردود رمادية لا تملك الحسم او على الاقل الوضوح الاخلاقي، وكأن ما يحدث يجرى في كوكب اخر ومن يرتكبون هذه الجرائم ينتمون الى اديان وقبائل من عالم آخر.

هجوم برشلونة ذهب ضحيته 13 شخصا، وتبعته محاولة هجوم بشاحنة في منطقة سياحية أخرى، ويقال ان وكالة الاستخبارات الاميركية حذرت من هجوم محتمل في اسبانبا. يحدث هذا الهجوم في الوقت الذي يتراجع فيه "داعش" وتلاحَق عناصره في كل من العراق وسورية، ما يؤكد فرضية الحاجة الى العودة لمسار التحليل الثقافي ومسار التحليل الاجتماعي -الاقتصادي لفهم حالة الفصام التي تشهدها هذه الاجيال وعلى رأسها الازمة الكبرى التي تعيشها الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية والاسلامية.

تعد ظاهرة الشاحنات المقدسة اسلوبا يعود الى تنظيم القاعدة في اليمن والذي وصفها في احد بياناته في العام 2010 بـ"آلات القص" في تشبيه لئيم لطريقة الشاحنات في قتل المارة بآلة القص التي تحصد الاعشاب. ومنذ العام 2014 اخذ "داعش" بتبني هذا الاسلوب بعد سنوات طويلة من العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة، واكبر العمليات التي جرت باستخدام الشاحنات هجوم نيس في العام الماضي 2016 حيث هاجمت شاحنة كانت تسير بسرعة كبيرة جمعا من الناس كانوا يحتفلون في يوم عطلة وطني وقتل 84 شخصا جراء الهجوم. وامتد هجوم الشاحنات إلى المانيا حينما استهدف سائق شاحنة تونسي الاصل سوقا لاعياد الميلاد وقتل 12 شخصا، وفي آذار الماضي قتل سائق شاحنة عددًا من المارة على جسر "وستمنستر" في لندن، قبل أن تصل هذه الشاحنة إلى مبنى البرلمان، ويترجل منها شخص طعن ضابط شرطة استوقفه؛ ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى، إضافة إلى 40 جريحًا.

شاحنات برشلونة وما أوقعته من ضحايا الى جانب تفجيرات مدريد العام 2004 التي راح ضحيتها نحو 200 شخص تبين أنه اصبح للعرب ذكريات اخرى مع المدينتين الاسبانيتين تضاف إلى ذكريات سوداء مع عشرات المدن الغربية، ولكن ثمة ذكريات لا تقل سوداوية بل تتجاوزها مع مدن عربية من حلب وتدمر الى الموصل وبرقة فتكت بها هذه الجماعات واخرجتها من التاريخ.

الشاحنات المقدسة التي تحصد البشر بدون ان تميز أجناسهم او اديانهم لا تعبر فقط عن لوثة فكرية دينية، فهذه الشاحنات لا تحمل مصاحف ولا تتوقف رمزيتها على الهتافات الدينية، بل تحمل رمزية فشل انظمة اجتماعية وثقافية، وفشل الدولة الوطنية جنوب المتوسط، وأزمة كبرى تعيشها الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية في الداخل والخارج.

الغد    2017-08-19

 

 


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات