«جنس» الحوار الذي يحتاجه الفلسطينيون

الفلسطينيون بحاجة لحوار وطني من غير صنف الحوار الذي دار على امتداد السنوات الفائتة ، والذي انتهى بورقة مصرية ، مثقلة بالثقوب السوداء والمناطق الرمادية ، استلزم استجلاؤها ، عاماً إضافياً من "حوار الطرشان" ، ولا أدري في الحقيقة ، ما الذي سيتغير صبيحة اليوم التالي لاتفاق فتح وحماس ، واحتفال الجميع في القاهرة بتوقيع الورقة المصرية ، إن بلغت التقديرات المتفائلة خواتيمها السارة.
قد يصدع الرئيس عباس لمقتضيات الورقة المصرية ومندرجاتها ، فيعيد تشكيل لجنة الانتخابات ومحكمتها ، وتبدأ لجنة فصائلية عليا - لا نعرف ما إن كان ذلك سيعني تشكيل لجان سفلى في مختلف المناطق - وقد يجري تعيين أربعة أو خمسة من حماس في وظائف إدارية في رام الله ، وقد تعود السلطة - رمزياً - إلى غزة ، وقد نشهد على ولادة شهر عسل متقشف وغير مبهج بين "الأخوين اللدودين" ، ليبقى السؤال ، وماذا عن القضية الفلسطينية ، ما الذي سيصيبها بعد ذلك ، هل سنكون أقوى على مواجهة الاستيطان ، هل سنتصدى بوسائل أنجع للعدوانية الإسرائيلية المنفلتة من عقالها ، هل ستكون للمفاوض الفلسطيني قدرة على جبه الضعوط ورفض التنازلات؟... ماذا سيترتب على توقيع حماس وفتح ورقة منزوعة الدسم والسياسة والرؤية والخيارات والبدائل؟ باعتراف الجميع ، فلسطينيين وعرباً و"عجماً" ، فإن القضية الفلسطينية تمر هذه الأيام ، بواحد من منعطفاتها الخطيرة ، وثمة سيناريوهات عدة تتطاير في الأفق ، كل واحد من يملي على القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، استحقاقات ومسؤوليات مختلفة ، حماس تتحدث عن خيار المقاومة ، دون أن تضيف إلى ذلك الشيء الكثير ، وبصورة تذكر بالشعار الإخواني الشهير: الإسلام هو الحل ، فيما السلطة تزعم أنها تفكر بمروحة واسعة من الخيارات والبدائل ، تبدأ من مجلس الأمن وتنتهي إليه ، وبين هذه وتلك ، لا يوجد فصيل فلسطيني واحد ، كَبُر أم صَغُر ، ولا توجد شخصية فلسطينية واحدة ، في الداخل أو في الخارج ، لا تدعو للمراجعة وبلورة بدائل والبحث عن أوراق وخيارات لمواجهة هذا الوضع الصعب ، رغم أننا - من أسف - لا نشهد تقدماً على هذا الصعيد.
ما قيمة الحوار الوطني ، إن لم يبدأ بالتوافق: أولا ، على توصيف مشترك للوضع الراهن والأسباب التي أدت إليه...ثانياً ، مآلات القضية ومصائر الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي...ثالثا ، استراتيجية المواجهة ومراحلها وما تشتمل عليه من بدائل وخيارات ، تكتيكات ووسائل كفاح ، أشكال المقاومة ووسائلها.
إن كان المطلوب من الشعب الفلسطيني أن "يقيم الأفراح والليالي الملاح" لأن أكبر فصيلين من فصائله قررا تقاسم كعكة السلطة و"الثروة" ، بعد أن اقتسما الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينيتين ، فهذا أمر لا أحسب أن شعبنا شغوف به ، بل أنه بات يظهر ضيقاً بهذه الأنانية الفصائلية المدمرة ، وأنظار الشعب الفلسطيني ، في الداخل والشتات ، متجه لمعرفة ما الذي ستكون عليه الخطوات التالية للقيادة الفلسطينية - العليا - الموحدة ، هل سنقيم "كونفدرالية" بين غزة والضفة ، هل ننشئ علاقات حسن جوار مبنية على إجراءات بناء ثقة متبادلة ومبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر (؟،) ، أم أننا سنعيد الوحدة للشعب والوطن ، ومن القاعدة للقمة ، وعلى قاعدة مقاومة الاحتلال ورفع كلفته ، توطئة لاستعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين المنكوب الاحتلال وقيادته وكثير من فصائله.
هل ستواصل فتح طقوس التفاوض العبثي أو الانتظار المدمر لحصول المعجزة؟...وهل ستواصل حماس انتظار "غودو" الذي قد لا يأتي ، وإن أتى ، فبعد خراب البصرة وغزة ورفح وخانيونس...ومن هو هذا الـ"غودو" الذي سيأتي ، هل هو الانفتاح الدولي على الحركة ، أو رفع الحصار كلياً عن غزة ، أم شيء من هذا وذاك ، ما الذي نريده بالضبط وعلى وجه التحديد.
لا نريد أن نبدو سلبيين ، ولا أن نعكر "المزاج المتفائل" بالمصالحة ، وهو مزاج فصائلي ، وليس شعبيا على ما يظهر ، ونقترح على الإخوة في فتح وحماس ، الانطلاق صبيحة اليوم التالي لتوقيع الاتفاق - إن حدث أمر كهذا - نحو حوار وطني شامل ، لبلورة البدائل والخيارات ، مثل هذا الحوار ، لم يبدأ بعد ، وإن بدأ بعد "احتفالات القاهرة" ، عندها يمكن أن تكون الورقة المصرية ذات نفع وقيمة ، وقيمتها في حالة كهذه ، أنها فتحت طريق الحوار ولم تتوجه ، وجعلت التوصل إلى "ورقة استراتيجية جديدة" أمراً ممكنا ، ومن دون ذلك ، فلا قيمة للورقة ولا معنى وطنياً للنتائج المترتبة عليها. (الدستور)