بشار والطائفية.. كيف ربح “مجتمعاً متجانساً؟

تم نشره الأربعاء 23rd آب / أغسطس 2017 01:04 صباحاً
بشار والطائفية.. كيف ربح “مجتمعاً متجانساً؟
ياسر الزعاترة

في واحدة من تجلياته “التنظيرية”، قال بشار الأسد أمام مؤتمر لوزارة الخارجية بحسب نص “سانا”: “خسرنا خيرة شبابنا وبنية تحتية كلفتنا الكثير من المال والعرق لأجيال، صحيح؛ لكننا بالمقابل ربحنا مجتمعا أكثر صحة وأكثر تجانسا بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى الإنشائي أو بالمجاملات، هذا التجانس هو أساس الوحدة الوطنية، تجانس العقائد، تجانس الأفكار، التقاليد، العادات، المفاهيم، الرؤى، على تنوعها واختلافها”.

وأضاف “قد يقول قائل الآن، أي وحدة وطنية؟ كلنا نسمع الآن كلاما طائفيا، نفس هذا الكلام سمعناه بعد جرائم الإخوان المسلمين في الثمانينيات، لكنه كان عابرا. ليس المهم ما هو الموجود على الألسن، المهم ما هو موجود في النفوس، ولو كان هذا البعد التقسيمي الذي نسمعه -نسميه البعد التقسيمي- الآن في أماكن مختلفة من مجتمعنا، لو كان موجودا في النفوس لكانت سورية سقطت منذ زمن بعيد ولكانت الحرب الأهلية التي يتحدثون عنها في الإعلام الغربي وحاولوا إقناعنا بها لكانت  الآن أمرا واقعا”.

ورأى بشار أن “المرحلة الأخطر كانت في السنة الأولى من الحرب، لأن البعد الطائفي كان موجودا في النفوس قبل الحرب كالنار تحت الرماد، ولكن إلى حد معين ربما لو انتظرنا سنوات وتغلغل هذا البعد أكثر في نفوس السوريين واندلعت هذه الحرب ربما كنا رأينا واقعا مختلفا أخطر بكثير. فإذن الواقع الحالي، وتماسك المجتمع بالشكل الذي نراه اليوم هو حقيقة، الدور الأساسي فيه هو للمجتمع، لتاريخ المجتمع، للتاريخ التراكمي للمجتمع، قد يكون هناك دور للدولة، دور للحقائق، هناك دروس تعلمناها من الحرب، ولكن لو لم يكن المجتمع بطبيعته هو مجتمع غير طائفي لما صمدت سورية بهذا الشكل”.

هذه فقرات من خطاب بشار، ودعونا نتأمل في هذه الهرطقة الإنشائية السخيفة التي ينطوي بعضها على اعتراف بحقائق مثيرة. ولا حاجة للتوقف عند الحقيقة التي يتجاهلها بشار دائما في الحديث عن سبب صمود نظامه، وهي أنه كان على وشك السقوط في 2012، فتدخلت إيران، وحين عجزت جاءت دولة كبرى (روسيا). 

لنبدأ بقوله إن “البعد الطائفي كان موجودا في النفوس قبل الحرب كالنار تحت الرماد”، وهذا اعتراف بالغ الأهمية، لكنه لا يضيف اعترافا بالسبب الحقيقي لوجود الطائفية قبل الحرب.

لم يقل إن سبب تلك الطائفية يتمثل في هيمنة طائفة لا تتعدى نسبتها 10 في المئة من السكان على مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية، ثم تغوّلها في الألفية الجديدة على المجال الاقتصادي، ونهبها لثروات البلد (قصة رامي مخلوف مجرد مثال)، ومشاركتها للناس في أرزاقهم بسطوة الأمن والتخويف.

هنا تتبدى المفارقة المثيرة للسخرية، إذ كيف يتحوّل الموقف من طائفية تحت الرماد قبل الثورة إلى انسجام بعدها، وبعد أن قتل النظام وهجّر الملايين من الشعب؟!

هنا يتبدى البعد الهتلري بتعبير المفكر المعروف عزمي بشارة، والذي تلخّصه عبارة بشار: “خسرنا خيرة شبابنا وبنية تحتية كلفتنا الكثير من المال والعرق لأجيال، صحيح؛ لكننا بالمقابل ربحنا مجتمعا أكثر صحة وأكثر تجانسا”. كيف ربحنا مجتمعا أكثر صحة وتجانسا؟ بقتل وتهجير الملايين، ومن بتركيع من تبقى!!

في مناسبة أخرى مع بداية الثورة، نقل عن بشار قوله خلال لقاء بحضور قاسم سليماني وقادة من حزب الله: “لقد قمنا بتلقينهم درسا في “حماة” أسكتهم 40 عاما، وسألقنهم درسا يسكتهم لمئة عام”، والمقصود هنا هي الغالبية السنيّة في سوريا.

إنها الحرب الطائفية المفضوحة، ففي ذات الخطاب، وجّه بشار الشكر لخامنئي ونصر الله، وروسيا بالطبع، ولم يقل لماذا لا يكون هذا اللون المذهبي لمن شكرهم (لبوتين موقفه المناهض للإسلام السنّي أيضا)، وأين بقية الأمة في السياق، ولماذا وقفت في غالبيتها الساحقة ضده؟!

عموما لم تنته الحرب بعد، والغالبية التي يطاردها بشار في سوريا، هي ذاتها التي يطاردها خامنئي لإعادة تشكيل حقائق التاريخ في المنطقة، وهي غالبية لها تراثها في مقاومة الغزاة والطغاة، وهي لن تستسلم، وستتواصل المعركة بأشكال شتى، حتى يأتي المعتدون إلى كلمة سواء، والأيام بيننا.

الدستور 2017-08-23



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات