المشروع الصهيوني لمسخ اوروبا وإلحاقها بامريكا

تم نشره الجمعة 29 تشرين الأوّل / أكتوبر 2010 05:56 صباحاً
المشروع الصهيوني لمسخ اوروبا وإلحاقها بامريكا
راكان المجالي

على مدى ما يقرب من قرن من الزمن تبدلت المواقف وتمايزت احيانا في الاطار الغربي حيث كانت الولايات المتحدة ، في ثلاثينيات القرن الماضي عبر لجنة "كنغ كراين" وغيرها اقل اندفاعا من فرنسا وبريطانيا ودور بريطانيا في دعم المشروع الصهيوني ، وصولا الى حرب العام 1956 والموقف الحاسم للرئيس ايزنهاور الذي فرض على اسرائيل الانسحاب من الاراضي التي احتلتها اسرائيل في حربها المشتركة مع فرنسا وبريطانيا ضد مصر واحتلال سيناء وقطاع غزة.

اما بعد 1967 فانه بدءا بالرئيس ديغول كانت هنالك مواقف اوروبية تتعاطف نسبيا مع العرب وحتى في غزو امريكا للعراق 2003 كانت دول اوروبا ما عدا بريطانيا ضد الحرب وضد غزو المنطقة وضد الانحياز الامريكي وكانت فرنسا تقود هذا التوجه لكن السنوات الاخيرة شهدت تحولات سلبية في كل المواقف الاوروبية التي سماها وزير خارجية امريكا السابق بدول اوروبا العجوز لانها لم تقف مع امريكا كليا في استهداف المنطقة لذلك والمؤسف ان اوروبا وخاصة الدول الكبرى فيها تقف اليوم الى يمين امريكا وتروج للرواية الصهيونية التي يقودها اليمين المتطرف الامريكي الى مشروع فكري وسياسي للتعاطي مع الوطن العربي ، والعالم الاسلامي يقتضي الدعوة الى محاربة كل ما هو اسلامي بادعاء ان امريكا تدافع بشكل خاص عن اوروبا في مواجهة المد الاخضر الاسلامي الذي حل مكان المد الاحمر الشيوعي،، وان الهجمة على المنطقة هي للدفاع عن اوروبا كخط دفاع عن الغرب.

لا اريد في هذا المقال ان اناقش الاندفاعة الامبراطورية الامريكية وحشد التاييد لها للهيمنة على العالم واكتفي هنا بالتركيز على صلتنا باوروبا التي يعمل البعد الصهيوني في الاستراتيجية الامريكية على افسادها من خلال تغيير معادلة الصراع العربي الاسلامي في مواجهة الصهيونية ، وكما هو معروف فان اسرائيل تدرك ان صراعها منفردة مع العالم الاسلامي "مليار ونصف انسان" لن يكون في صالحها ولذلك لا بد ان تورط الغرب كله ولتصبح كل امم وشعوب الغرب في اطار الاطلسي مليار انسان او اكثر هي الطرف الثاني في المعادلة في مواجهة ومحاربة العالم الاسلامي وذلك وحده ضمانة بقاء واستمرارية تفوق اسرائيل ، وهذه المسألة تستحق ان نكرس لها اكثر من مقال في الايام القادمة..

اما الامر الاساسي الذي يفترض ان نركز عليه اليوم فهو ضرورة نبذ التطرف والظلامية عندنا ، وعدم السماح لاسرائيل وجماعة اليمين المحافظين الجدد باختطاف اوروبا وتوظيفها في معسكر العداء لامتنا ، وان نتذكر بشكل خاص اننا اقرب لاوروبا وان اوروبا اقرب لنا من الضفة الاخرى البعيدة جدا للاطلسي الذي يفصل اوروبا عن امريكا ولا يصلها كما هو الحال بالنسبة للوطن العربي.

وصحيح ان جوارنا مع اوروبا عرف تاريخيا صراعات وتجاذبات وتوافقا وتنافرا في نفس الوقت. لكن الوطن العربي جغرافيا كان هو قلب العالم القديم جغرافيا وحضاريا وتاريخيا وقد اخذت اوروبا الحضارة منا ومن دورنا في وصل اليونان والرومان قديما باوروبا الحديثة ، والاهم ان هذا الشرق العربي هو مهد المسيحية التي هي مكون من مكونات الشخصية الاوروبية.. الخ.

ومنذ رفاعة الطهطاوي في بدايات القرن التاسع عشر الى الشيخ محمد عبده ثم طه حسين في بدايات القرن العشرين كان هنالك تأكيد على صلات مصر والعرب باوروبا ، وهنالك اعداد كبيرة من المفكرين الاوروبيين والعرب اكدوا صلتنا باوروبا واشير بشكل خاص لما اورده زميلنا جهاد فاضل حول ما يجمعنا تاريخيا وجغرافيا مع اوروبا ابتداء من مصر فبعضها يقع في اسيا وبعضها الاخر يقع في افريقيا ، بل هي في صورة من الصور اوروبية ايضا ، ولعل ازهى عصورها هي عصور البطالسة التي ارتبطت فيها مصر باوروبا ، ويرى العديد من الباحثين الاوروبيين ان اوروبا تبدأ عند الاسكندرية واسيا عند القاهرة وافريقيا عند اسوان.

وما يمكن ان يقال عن مصر من حيث هذا الالتباس ، وكذلك من حيث هذا الارتباط مع اوروبا ، وقاسمه المشترك هو البحر المتوسط وحضارته ، يمكن ان يقال عن اقطار عربية كثيرة سواء في المشرق او في المغرب. فمدينة حلب على سبيل المثال وابتداء من القرن السابع عشر كانت لها علاقات وثيقة مع فلورنسا والبندقية وباريس. وبيروت منذ مطلع هذا القرن يمكن وصفها بانها مدينة اوروبية او شبه اوروبية لتعدد اوجه علاقاتها مع فرنسا وايطاليا وبقية بلدان اوروبا.

ويبدو ان القدماء فطنوا الى هذا الالتباس الجغرافي فالاغريق كانوا يعتبرون الدلتا المصرية جزءا من اسيا تاركين الصعيد في افريقيا. وكذلك كانت العرب تربط الدلتا بالشام والصعيد بالحجاز يقول الكندي في فضائل مصر: "صعيدها ارض حجازية ، حرها كحر الحجاز ، واسفل ارضها (اي الدلتا) شامي ، يمطر مطر الشام".

اما هيغل ، الفيلسوف الاوروبي الشهير ، فقد تحدث في كتابه (فلسفة التاريخ) عن ثلاث مناطق كبرى: الاولى جنوب الصحراء وهي افريقيا بالمعنى الصحيح ، والثانية شمال غرب افريقيا التي اعتبرها جزءا من اوروبا ، واخيرا وادي النيل الذي الحقه بالنظم النهرية الاسيوية الكبرى.

اما اذا وصلنا الى مؤرخ اوروبي معاصر هو البروفسور لير فنجد انه لا يرى في اوروبا بمفهومها الاوروبي الدارج وحدة بشرية فعالة وواحدة الا اذا اضفنا اليها قدرا طيبا من جنوب غرب اسيا وشمال افريقيا بحيث تضم كل اطار البحرالمتوسط والبحر الاسود وبحر قزوين.

ويشترك مؤرخ اخر مع لير وهو جوبليه في اعتبار الشمال الافريقي كله منتميا الى اوروبا انتماءه ايضا الى الشرق الادنى. وقد يقصد بالشرق الادنى هنا ما نصطلح على تسميته في الوقت الراهن بالمشرق العربي. ولا شك ان جوبليه عندما جعل الشمال الافريقي ينتمي الى الشرق الادنى ، انما دار في فكره الروابط الثقافية الكبرى التي تربطه باقطار الشرق الادنى وفي طليعتها الاسلام والتراث الاسلامي.

وهناك مؤرخون اخرون غير الذين ذكرنا لا يرون في العالم العربي سوى حافة اوروبا البيضاء جغرافيا وتاريخيا وجنسيا وكل شيء.

ويرى جمال حمدان في كتابه (شخصية مصر) انه من الناحية الموضوعية لا مجال للخلاف على ان شمال افريقيا في معظمه هو جيولوجيا ومورفولوجيا جزء من النظام الالبي الذي يرتكز اساسا على جنوب اوروبا ويلف البحر المتوسط لفا. كذلك فان مناخ ونبات البحر المتوسط يميز شمال القارة عن بقيتها جنوب الصحراء البحتة ، فان افريقيا شمال الصحراء هي الشريحة القوقازية ، وبالدقة المتوسطية ، الوحيدة في افريقيا. وتكمل بذلك الجنس الاوروبي الابيض او المتوسطي الاسمر على الجانب الاخر من البحر كذلك تشارك الضفتان في حضارة واحدة اساسا اصولا وميولا ، مثلما تشابكتا في العلاقات التاريخية ان سلما او حربا.

ولا ننسى ايضا عامل القرب الجغرافي. فلا يقلل من اوروبية الشمال الافريقي كون البحر المتوسط يفصله عن اوروبا. فالصحراء الكبرى تفصله ايضا عن افريقيا. ولما كانت هذه الصحراء تؤلف ضعف البحر عمقا على الاقل ، واضعافه عزلا في الواقع ، نجدنا اقرب الى اوروبا منا الى افريقيا بالموقع والمسافة. فالجزء الاكبر من اوروبا اقرب الى مصر وبقية اقطار الشمال الافريقي العربية ، من حيث المسافة ، من اي نقطة في افريقيا جنوب الصحراء.

اما من حيث التفاعل الاقليمي ، وهو عنصر في منتهى الاهمية ، فان تفاعل شعوب الامة العربية جمعاء ، سواء الواقعة في المشرق العربي الاسيوي بحسب المصطلحات السائدة ، او الواقعة في الشمال الافريقي ، او لنقل ان هذا التفاعل مع اوروبا ، في المشرق العربي على الخصوص ، لم يكنن اقل من تفاعله مع اقطار اسيا الاخرى. اما شعوب شمال افريقيا فقد كانت بسبب حاجز هذه الصحراء بالذات تعطي ظهرها للقارة الافريقية السوداء وتتطلع الى اوروبا. ولا يشك احد في كونها اقرب الى شعوب القارة الاوروبية منها الى الشعوب الافريقية جنوب الصحراء. (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات