«القاعدة» وفرنسا

تم نشره الجمعة 29 تشرين الأوّل / أكتوبر 2010 05:57 صباحاً
«القاعدة» وفرنسا
عريب الرنتاوي

لعلها الإطلالة الأولى منذ زمن بعيد ، التي يعود فيها أسامة بن لادن ، لممارسة "هوايته" في الحديث عن "حال الأمة" وتوصيف معسكري الأعداء والأصدقاء ، ورسم التخوم الفاصلة ما بين "الفسطاطين". آخر إطلالات ابن لادن اتخذت شكلاً "إنسانياً" أملته كارثة الفيضانات الباكستانية ، والحاجة لمد يد العون ، لثاني بلد مسلم منكوب.

أمس ، كانت فرنسا تحديداً ، فرنسا قبل غيرها وأكثر من غيرها ، على موعد مع زعيم القاعدة ، عرض على مسامع الفرنسيين شروط "صك الإذعان" ، التي ما أن يقبلوا بها ، حتى يأتيهم "العفو" و"الفرج" من "مكان ما" على الحدود بين الباكستان وأفغانستان ، وإن أبوا واستكبروا ، فليس لهم سوى الويل والثبور وعظائم الأمور.

لا أقل من انسحاب فرنسي من أفغانستان ، وانكفاء باريس عن حروب الاستكبار ضد المسلمين في العالم ، وتراجع "عاصمة الأنوار" عن قانون "حظر النقاب ودفع الجزية"، عشرة ملايين دولار فدية عن الرهائن الخمسة المختطفين في النيجر ، تدفع لمن يعنيهم الأمر ، عداً ونقداً.

هنا تختلط السياسة بالدعاية ، أو بالأحرى بالدعوة ، فما من عاقل يعتقد أن مطالب كهذه يمكن أن تكون "واقعية" ، لكن مع ذلك يريد ابن لادن أن يدرج عمليات خطف الرهائن الفرنسيين في أفريقيا ، ما تم منها ، وما قد يأتي ، بالسياق العام للحرب ضد "فسطاط الكفر" ، الذي تحتل فرنسا (ساركوزي ـ كوشنير) خندقاً متقدماً فيه ، واستحقت لهذا السبب بالذات ، غضب القاعدة وغضبة مؤسسها وأبيها الروحي.

لن يكون مستبعداً أبداً ، أن تكون إطلالة ابن لادن بمثابة "شارة البدء" لخلية نائمة هنا ، أو "الضوء الأخضر" لمجموعة "تتثاءب" هناك ، وليس مستبعداً أبداً أن يكون هدف القاعدة التالي في قلب فرنسا ، وليس فقط في النيجر ومالي وعلى تخوم الصحراء الأفريقية الكبرى.. القاعدة بحاجة لما يساعدها على استنهاض صفوفها من جديد ، القاعدة بحاجة لقوة دفع تسرع "عودتها" للمسرح الدولي ، بعد انحسار اضطراري أملته الحرب الكونية على الإرهاب.

والحقيقة أن ثمة ما يشير إلى أن القاعدة ، عادت للملمة شتات نفسها في أكثر من موقع ، فهي تحتل مكانة مهمة كلاعب محلي في اليمن ، وهي مصدر تهديد حقيقي في شمال وشرق وغرب أفريقيا والساحل ، وهي قوة لا يستهان بها في الصومال والقرن والأفريقي ، وهي ما زالت تحظى بنفوذ ووجود متجددين في العراق ، على الرغم من الضربات القاسية التي تعرضت لها على يد الصحوات والولايات والأمن العراقي ومخابرات عرب الاعتدال ، ساعد على ذلك بؤس العملية السياسية الجارية في العراق ، وانتهازية النخب السياسية وأنانيتها و"مذهبيتها".

لا يمكن التقليل من شأن "التهديد القاعدي" لفرنسا ، فهو كما قالت باريس ، يجب أن يؤخذ على محمل الجد ، و"إذا قالت حذام فصدقوها.. فان القول ما قالت حذام" ، على أن الحكمة تقتضي من فرنسا ، إدارة معركتها مع القاعدة بكثير "التعقل" و"التروي" ، وهما أمران لم يعودا ملازمين لسلوك باريس ودبلوماسيتها في زمن ساركوزي - كوشنير ، اللذين بتقاربهما الشديد مع واشنطن ، يخاطران بتحميل بلديهما وزر السياسات والحروب الفضائحية ، التي خاضتها واشنطن في السنوات العشر الأخيرة ، وعلى غير ساحة وجبهة على أية حال.

لا نقول ذلك من باب تبرير "استهداف القاعدة لفرنسا" بأي حال من الأحوال ، ولا نقترح "تفهماً" من أي نوع لما أدلى به أسامة بن لادن من تهديدات أمس الأول ، ولكن للتذكير ، تذكير فرنسا ، بأنها كانت لتكون في وضع أقوى في العالمين العربي والإسلامي ، وهي تواجه "تهديد الإرهاب" لو أنها حافظت على إرثها الأوروبي المستقل ، ولم تزحف بتسارع نحو "الأطلسي" وعبره إلى واشنطن. (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات