وهمْ حق العودة .. هل تجاوز «ويتلي» الحقيقة؟!

توالت بيانات التنديد بالتصريحات التي أطلقها "أندرو ويتلي" ، مدير مكتب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في نيويورك ، والتي قال فيها إن على اللاجئين الفلسطينيين أن لا يعيشوا على وهم حق العودة ، وأن على الدول العربية أن تبحث عن أماكن لهم على أراضيها لتوطينهم فيها.
من الطبيعي ابتداءً أن يبادر الأردن وسواه من الدول المستضيفة للاجئين وسائر الفصائل الفلسطينية ، إلى جانب المعنيين بالقضية الفلسطينية إلى التنديد بتصريحات الرجل الذي تجاوز مهمته الإنسانية إلى تقرير وقائع سياسية ليست من اختصاصه ، لكن واقع الحال يقول إنه ما قاله يعكس الحقيقة بالفعل سواءً أعجبتنا أم لم تعجبنا.
سيقول قائلهم إن أي حديث عن حق العودة إنما هو جزء من مفاوضات الوضع النهائي ، وأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وقيادتها لم تتنازل عن ذلك الحق ، وأنه جزء من الثوابت التي يتمسكون بها.
سنتحتاج بالطبع إلى ذاكرة مثقوبة ، وربما تغييب للعقل حتى نصدق هذا الكلام ، ليس من قيادة السلطة فقط ، ولكن أيضا من أي طرف آخر يؤمن بالمبادرة العربية أو يؤمن بقضية التسوية وفق ميزان القوى الراهن.
نعلم ويعلم الجميع أن المبادرة العربية التي يتغنى بها العرب آناء الليل وأطراف النهار قد صادقت على مبدأ شطب حق العودة حين جعلت من حل هذه المعضلة أمرا يتم بالتوافق بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهنا بالله عليكم ، من يصدق أن من يريد التخلص من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48 عبر إجراء تبادل للأراضي مع السلطة (طرح ليبرمان وقبله طرح زعيمة حزب كاديما ، تسيبي ليفني "المعتلة" بحسب التصنيف السائد) ، من يصدق أنه سيوافق على عودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 48؟،
لندع وثائق المعاهدات العربية التي وُقعت مع كيان العدو ، والتي تنص صراحة على توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم ، ولنلتفت فقط إلى واقع السياسة القائم ، ونتذكر شرط الدولة اليهودية الجديد ، ثم نتذكر كيف أن المفاوضات مع أولمرت قد انحصرت في ما إذا كان اللذين سيعودون ضمن إطار ما يسمى لمْ شمل العائلات هم 30 ألفا أم 10 آلاف ، حيث لم يوافق أولمرت سوى على 10 آلاف يعودون في غضون 10 سنوات.
لنتذكر إلى جانب ذلك قول الرئيس الفلسطيني إن اللاجئين في الأردن وأوروبا وأمريكا مرتاحون في أماكن تواجدهم ولا يفكرون في العودة إلى فلسطين ، ثم نتذكر وثيقة جنيف التي أشرف عليها ياسر عبد ربه بمتابعة من الرئيس الفلسطيني وبمشاركة عدد من قيادات حركة فتح ، والتي تشطب صراحة حق العودة ، ونتذكر تصريحات بلا عدد ، من بينها تصريحات للراحل ياسر عرفات تصب في ذات الاتجاه (حق العودة لم يكن هو الذي أفشل قمة كامب ديفيد صيف العام )2000 ، لنتذكر ذلك كله كي نتأكد أن ما قاله "أندرو ويتلي" صحيح مئة في المئة.
سيقول بعضهم إن العودة يمكن أن تكون لمناطق السلطة ، وليس بالضرورة أن يُستوعب اللاجئون في أماكن وجودهم ، الأمر الذي يقبل النقاش في واقع الحال ، ولكن ما علينا أن نتذكره هو أن حوالي 45 في المئة من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة لاجئون 28( في المئة من سكان الضفة و 70 في المئة من سكان غزة) ، فيما لن يكون الكيان الفلسطيني الموعود (في حدود الجدار) وهو مقطع الأوصال بعدما وافقوا على بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة الثلاث تحت مسمى تبادل الأراضي ، لن يكون ذلك الكيان قادرا على استيعاب أهله ، فكيف يمكنه استيعاب آخرين ، اللهم إلا من فرضت عليهم العودة فرضا ، أما من سيكون بوسعهم الاختيار ، فلن يعودوا إلا لديارهم الأصلية في حال تحريرها أو سيبقون حيث هم؟،
لذلك كله قلنا وسنظل نقول إن على من يريد تجسيد حق العودة أن يقف إلى جانب برنامج المقاومة والتحرير ، وليس برنامج التسوية والمفاوضات ، وأي كلام غير هذا الكلام هو محض تمييع للقضايا وبيع للوهم ، ذلك أن رفض تجسيد حق العودة هو ما تجمع عليه الأوساط الصهيونية في الداخل والخارج ، ومعها الولايات المتحدة وغالب دول أوروبا أيضا. (الدستور)