حانوت صانع النجوم

أدخل الى حانوته الصغير فأجد «رولات» القماش من كل لون وبعض العصي وفراشي مبللة بالدهان .. انها ورشة لصناعة اليافطات في محافظة شمالية انتهز صاحبها فرصة الانتخابات النيابية لكي يجمع بعض النقود في هذه المناسبة التي لا تتكرر الا كل اربعة اعوام، اذ انه يشتغل في غير المواسم الانتخابية في مهنة تصليح الرسيفرات والاطباق اللاقطة والتلفزيونات القديمة.
حين دخلت الى المحل سألت صاحبه ما اذا كان الموسم الانتخابي قد عاد اليه بما تمناه من مال فكانت الاجابة :«مستورة» ، لكنه ابدى تذمرا من انه يتحمل مسؤولية الشعارات التي يكتبها على اليافطات اذ ان غالبية المرشحين يطلبونه انجاز يافطات جاهزة بشعاراتها بحيث يضطر في الأغلب ان يختار هو بنفسه شعارات المرشحين.
قلت له ولماذا وضعت هذه القائمة من الشعارات على الحائط بخط واضح؟ فقال لكي: اختصر الوقت واعرض على المرشحين ما قد يناسبهم دون اطالة للتفكير بالشعار الذي غالبا ما يأخذ معظم الوقت .. فأنا أحاول استثمار الوقت ما امكن لئلا يضيع في انتقاء الشعارات وارسالها الى من يدققها لغويا قبل كتابتها باعتبار ان صاحب المحل ليس خبيرا باللغة وكذلك غالبية زبائنه من المرشحين.
غير ان اللافت ان ثمة شعارات لا يمكن لإحد في الكون ان يستنطق كنهها الا اصحاب الدائرة الانتخابية فالعديد من اليافطات يكتب عليها عبارة «الفزعة يا اهل ( الجدعا او البلها او البويضة او الحيزا ) او غيرها من «النخوات» التي «تنتخي» بها القبائل وهذا النمط من اليافطات لا يستهدف الا ابناء عشيرة محددة وليس ابناء الدائرة الانتخابية ناهيك عن أبناء الوطن بأسره.
لم يذكر لي الخطاط صاحب الحانوت شيئا عن قيام مرشح بالطلب منه كتابة يافطة عن وعد انتخابي بمكافحة الفساد او الرقابة على اداء السلطة التنفيذية او ضرورة العمل على صياغة تشريع يحمي مصالح الناخبين السياسية او الاقتصادية، وعندما واجهته باصرار على سؤال حول عدم وضعه مثل هذه الشعارات ضمن قائمة الخيارات الموضوعة على الحائط أجاب: لست مضطرا لعرض مثل هذه الشعارات ولا زبائني من المرشحين مضطرون، فهم يعرفون ان مثل هذه الشعارات لا تجلب الأصوات.
ختمت زيارتي للحانوت بقولي لصاحبه انك صانع النجوم فضحك وقال الموسم المطري جاء والسماء ملبدة بالغيم ما يمنع رؤية النجوم. (الرأي)