غزلان في مرايا القردة!!

لم يحدث ان اجريت مسابقة لمنح اغبى رجل او امرأة في العالم جائزة لكن هناك من جازفوا بمنح وسام لأقبح امرأة في العالم فالمفاضلة تقابلها بالضرورة على الشاطئ الاخر المُراذلة ، ورغم اهتمام موسوعة جينس بما هو اطول او اثقل او اسمن الا ان هناك اقزاما ينتظرون دورهم في المنافسة ، واخر ما تفتق عنه الذهن التكنولوجي عبر الانترنت هو نادي القبح ، واعضاؤه يشترط فيهم ان يكونوا على درجة ملحوظة من القبح ، فقد قرر هؤلاء ان ينتقموا لانفسهم فيتزوجوا من بعضهم ويتغزلوا بقبحهم كما لو كان جمالا آسرا.
للوهلة الاولى يبدو المشهد سورياليا ، لكن لو تأملناه لحظة واحدة لوجدنا ان مفهوم الجمال سوف يتغير بل ينقلب ويصبح نسبيا فنحن مثلا نتصور بان الصينيين والجنس الاصفر بشكل عام متشابهون ويصعب علينا ان نفرز الجميل من القبيح بينهم ، لكن هؤلاء بالمقابل يروننا كذلك ، وتلك ايضا مسألة بشرية نسبية.
لكن الجديد في نادي القبح هو ان هؤلاء قرروا ان يترجموا المثل العربي القائل "القرد بعين امه غزال" الى واقع ، فقد قام بعضهم بتهجير كل الاوصاف المكرسة للجمال الى عالمهم ، لتبدأ بينهم مقارنات من طراز اخر.. لكن المأخذ العلمي والموضوعي على هذا النادي وما يماثله من اندية الانترنت التعويضية والوهمية هو معيار الجمال والقبح فهل هو عضوي خالص ، ام انه وثيق الصلة بعدة مكونات وعناصر بشرية؟ اين الروح والايقاع وخفة الدم او ثقله من هذا المعيار؟
ومن قال ان هناك جمالا خالصا لرجل او امرأة ، فاحيانا يشبه هؤلاء دمى البلاستيك والمطاط ، وما ان ينطقوا حتى يكون للمشهد وجه اخر.
وحين قال الشاعر العربي الاعمى ان الاذن تعشق قبل العين احيانا كان يقترح على الناس معيارا اخر هو الصوت وهو ليس مجرد كلمات ينطق بها البشر ، انه احيانا عميق ، واحيانا سطحي ، ولا انسى ما سمعته من الصديق الراحل كامل زهيري عندما قال لي ذات يوم عن مذيعة بأنها تصبغ صوتها ، وكان يقصد ما تحاوله التصابي من خلال تنعيم طبقات الصوت.
ان وجود اندية للجمال والقبح تبعا لمقاييس سطحية وبيولوجية يفتضح عصرا اصبح كل ما فيه مجوفا وخاليا من اية مضامين وهذا بحد ذاته يعكس ثقافة ومزاجا لهذه الفترة الحرجة في حياة البشرية حيث ادى المزيد من التقدم التكنولوجي الى التقهقر الروحي وفقدان المحتوى ، فالكم اهم من الكيف وما من احد يسأل عما وراء المشهد الذي يجتذبه سواء كان اقتصاديا او معرفيا او حتى سياسيا فمساحة التجميل والجراحة لم يسلم منها شيء ، ولم يعودا وقفا على الوجوه والتجاعيد فثمة اناس يجرون جراحات تجميلية لاساليبهم في الكذب والنفاق والاحتيال وثمة من يصبغون اصواتهم كما قال زهيري عن تلك المذيعة المتصابية..
ان للجمال قبحه السري كما ان للقبح الظاهري جمالياته السرية فالانسان ليس مجرد دمية من لحم وعظم وملامح ، ان جماله يتشكل من كيمياء صعبة تنصهر عناصرها في شخصية ليست ذات بعد واحد،
ومن يدري؟ لعل في نادي القبح من هم اجمل من زبائن جراحة التجميل وصبغ الاصوات، (الدستور)