في المسألة الكردية: الديمقراطية وحق تقرير المصير

تم نشره الخميس 21st أيلول / سبتمبر 2017 12:55 صباحاً
في المسألة الكردية: الديمقراطية وحق تقرير المصير
محمد خروب

كان من المفيد بل الضروري تلبية الدعوة التي وجهتها الهيئة المشرفة على ملتقى «الديمقراطية وحق تقرير المصير» لحضور جلسات هذا الملتقى التي التأمت في مدينة السليمانية الكردية، بما هي عاصمة الثقافة الكردستانية، كي يسمَع «العربي» ويُشاهِد ما يتصدّر جدول الاعمال الكردي هذه الايام، في تلك البقعة الجغرافية من اراضي كردستان التاريخية التي توزّعَت على اربع دول منذ قرن من الزمان، وكانت نتاج «تفاهُم» استعماري بريطاني فرنسي، أعمَل فيه ممثلو الامبراطوريتين الأسوأ في التاريخ، كل ما توفروا عليه من خبث وشرور و»رؤية» مُستقبلية للمنطقة بعد ان تفيق شعوبها من صدمة التقسيم الذي طال بلاد العرب، تماماً كما طال بلاد الكرد وموطنهم التاريخي.

ليس في ما يُقال انحياز لِـ»الرواية» الكردية او محاولة لترويج «مظلوميتهم»، التي هي مظلومية حقيقية بل مأساوية أسهَم العرب – قبْل غيرهم وبعد بريطانيا وفرنسا – في تعميقها وإطالتها بقِصَر نظر وفهم خاطئ لمفهوم التنوّع والخصوصية الثقافية للشعوب، والتي هي أصلاً ليست عربية، وإن كانت تشارك معظم العرب في الانتماء للاسلام، لكن ذلك لا يعني الطمس على هوية الاقليات القومية، أيّاً كان حجمها الديمغرافي، وأيّاً كانت قوة الترسانة العسكرية والأمنيّة التي توفرت عليها الانظمة «الوطنية» التي انبثقت في مرحلة التحرر من الاستعمار وبروز الخطاب «القومي» في الفضاء العربي، الذي استقطب جمهورا عربيا عريضا، دغدغته الشعارات الحماسية واسهمت، ضمن امور اخرى، في تعميق النزعة المتطرفة (حتى لا نقول الشوفينية) تجاه الاقليات القومية التي شكلت الفضاء العربي «الجديد» بعد جلاء المُستعمِرين، هذا الجلاء الذي لم يكن كاملا ولم يكن «الإستقلال» بالتالي حقيقياً، بل ترَكَ المستعمِرون «ثقافتهم» وتأمين مصالحهم في بلادنا، وبخاصة في عقول «الطبقة» التي استولت على الحكم دون تفويض شعبي عبر صناديق الاقتراع, وهذا شارك فيه المدنيون مع العسكريين, الذين احتكروا لأنفسهم مقاعد الصف الاول واستولوا على السلطة والقرار الوطني، ما جعلهم يتبنّون شعارات شعبوية خالية من اي اعتبار لمشاعِر وثقافة وبخاصة الاقليات القومية, التي يعيش معظمها فوق اراض غير عربية, لكنها ديكتاتورية الجغرافيا وسطوة المُستعمِرين التي ادخلتهم عنوة في الجغرافيا العربية, دون ان يحصلوا على حقوقهم الاساسية الاولى وخصوصا السياسية والقانونية والانسانية, وما قُدِم لهم لا يعدو كونه «صدقات» وصِفت بأنها مبادرات, وغير من التسميات التي تُمعِن في تشويه ومحاولة اخفاء التهميش والقهر والعسف الذي وُضِعت فيه هذه الاقليات, ما شكّلَ على الدوام قنابل زمنية «مُتكْتِكة» تمظهرت في انتفاضات سلمية وتمردات مُسلحة وحركات انفصالية, وجدت لها مَن تجاوب معها لأسباب ايديولوجية واخرى ذات صلة بحقوق الإنسان وثالثة رأى فيها فرصة مُتجددة لإبقاء «العرب» في حال من الاحتقان والتوتر والضعف والانقسام, على نحو تجلّى في ردود فعل الانظمة التي لم تتعامل مع تلك الاقليات بروح من الاخوية والشراكة وسيادة القانون وحقوق المواطنة، بل سادت لغة الحوار بالرصاص والمدافع والقصف الجوي وخصوصا في تهجيرهم ومحاولة تقزيم مناطقهم ديمغرافيا, وكانت سياسة «التعريب» والتتريك هي المُعتمَدة في معظم مناطق الاقليات القومية وعلى نحو خاص في مناطق الكرد «الأربع».

ملتقى «الديمقراطية وحق تقرير المصير» شكّل فرصة لِـ»العربي» كي يسمع من «الكردي» الذي لا يختلف عن العربي في نزعاته الإقصائية ولهجته الثأرية، وذهابه بعيدا في التخوين والإساءة و»الجدل» عالي النبرة الذي يستبطن استعدادا للقتال حتى النهاية، كي يُدافِع عن «روايته» وكيف يُبرّر توقيت «الإستفتاء» الذي اثار هذه الموجة غير المسبوقة في المنطقة، والتي يمكن ان تنتهي الى كارثة حقيقية, تلحق بالمطالب الكردية تماما كما تُسهم في انهيار «الرواية» العربية، إن كان ثمة من يستطيع ان يُدافِع عن هذه الرواية (العربية نقصد) بعد ان وصل تهافتها الى مرحلة متدنية, لا يبدو ان احدا من الانظمة العربية ذات الصلة بمسألة الاقليات القومية فيها معنيٌّ بالإصغاء الى لغة العقل ولغة العصر ولغة المصلحة, كي يبدأ حوارا «مختلفا» ولكن جادا ومخلصا مع كل شرائح ومكونات مجتمعه بدءا بالاقليات وليس انتهاء بمعظم شعوب الأمة المهمشة والمُفقّرة والمقموعة, والتي لا رأي لها يؤخذ في اعتبار تحالف السلطة ورأس المال والارتباط العضوي (والوظيفي) بالدوائر الرأسمالية والاستعمارِية العالمية.

تَسمَع من «الكردي» مفردات ومصطلحات وسرديات متعددة, بعضها يُصيبك بالصدمة وغيرها يدفعك للتفكير مليّاً والبحث عما يمكن للمرء ان يتوقف عنده ويعالِجه بمنطق وتفهّم وتفكير خارج الصندوق, الذي «حبسنا» انفسنا فيه عقودا طويلة ورفضنا ان يكون في فضائنا اعتراف بالشريك الوطني, صاحب قومية اخرى لها خصوصيتها وتاريخها وثقافتها غير القابلة للمحو او الطمس او التغاضي عنها, تحت ذرائع وشعارات اثبتت الايام ووقائع التاريخ انها فارغة وعقيمة وكانت مُكرّسة لخدمة الحكام ورغبتهم في اطالة اعمارهم السياسية والعبث بالجمهور العربي عبر حقنه بالتطرف واستعدائه على شريكه في «الوطن».

صحيح ان مسألة الاستفتاء مُعقدة بل يعترف الكرد بأنها فكرة نبتت في تربة غير مواتية, ولأسباب ربما كانت شخصية او ذات صلة بهذا الحزب او هذا الزعيم او ذاك، إلاّ ان ذلك كلّه لا يمنع الاشارة الى انه (الاستفتاء) شكّل فرصة للكرد كي يرفعوا خطابهم وسرديتهم في وجه من واظَب على إنكار حقوقهم و الطمس عليها وابقائهم اسرى التهميش والتنكيل والقمع، رغم كل ما يمكن للمرء ان يأخذه على زعمائهم من سلبيات واخطاء... وخطايا.

الراي  2017-09-21



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات