الكرد والحق في تقرير المصير

تم نشره السبت 23rd أيلول / سبتمبر 2017 12:58 صباحاً
الكرد والحق في تقرير المصير
د.باسم الطويسي

يبدو أن اصوات العرب هي الاقل حضورا وسط التحشيد العالمي الذي يحاول ان يثني الكرد عن اجراء استفتاء شعبي حول الاستقلال، وعلى الرغم من رفض الحكومة المركزية في بغداد لهذا الاستفتاء فإن بغداد تعلم ان الاقليم عمليا يتصرف باعتباره دولة ولا ينقصه اكثر من الاعتراف الرمزي وحسم تقاسم بعض القضايا الخلافية، حالة المواقف العربية من المسألة الكردية الراهنة تعكس من جهة حجم ارتهان الارادة العربية بشكل مفجع للقوى الاقليمية مقابل التناقض الذي يجعل اسرائيل تبدو الكيان الاقليمي الوحيد الذي يقدم خطابا سياسيا حريصا على حق تقرير المصير للشعوب.
 الكرد يطمحون الى اقتناص الفرصة التاريخية التي باتت تتشكل في هذا الوقت، المتمثلة في خرائط ما بعد نهاية تنظيم الدولة "داعش" ونهاية الصراع في سورية واعادة تشكيل المشرق العربي التي تتم ببطء منذ سنوات، وعلى رغم أن التصويت "بنعم" لدولة مستقلة في كردستان لا يعني اعلان الاستقلال مباشرة، الا انه سيكون خطوة مهمة في بناء ارضية صلبة للتغيير، في الوقت الذي سوف تستمر فيه معارضة دول كبرى ودول اقليمية اي خطوة بهذا الاتجاه. وامام الدولة المركزية في بغداد والاقليم الطامح للاستقلال العديد من الافخاخ التي قد تنفجر في اي لحظة لعل من بينها ملف كركوك، والمدن والبلدات التي سيطر عليها الكرد في الفترة الاخيرة. في حين يصب الضغط الايراني على الحكومة المركزية في بغداد المزيد من الزيت.
صحيح أن الكرد ارتكبوا سلسلة من الأخطاء في تحالفاتهم. وهم يقفون اليوم وحدهم، ولكن هذا الامر لا ينكر حقهم في تقرير المصير، وصحيح ان هذا الحق تعكره المواقف والتحالفات الاسرائيلية، بالمقابل فإن هذه النتيجة تثبت فشل الدولة الوطنية سواء العربية المتمثلة في العراق و سورية او في ايران وتركيا في بناء كيانات تستوعب كل مواطنيها، وعلى كل الاحوال ثمة سلسلة من الحقائق على الارض تثبت ان الكرد لن يبقوا بلا حلفاء لفترة طويلة وان مسألة تقرير المصير مسألة وقت وتحديدا في بناء قاعدة لتاريخ قادم من الصراع وتحديدا مع الاتراك والايرانيين.
  في العقد الأول من هذا القرن، استطاع الكرد لفت انتباه العالم؛ حينما تمكنوا من إنجاز أول كيانية سياسية لهم معترف بها في التاريخ المعاصر؛ في إقليم كردستان بشمال العراق. ذلك الإقليم الذي حققوا السيطرة الفعلية عليه منذ تسعينيات القرن الماضي. وفي العقد الثاني من هذا القرن، أثبتوا قدرتهم النادرة على مقاومة الإرهاب، وبأنهم شعب صعب المراس من المقاتلين والمقاتلات. وهم بالفعل أكثر من تصدى للعصابات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم "داعش"، حتى وإن تراجعوا في فورة التنظيم الأولى؛ ويوثق ذلك في أحداث سنجار وشمال العراق، لكنهم عادوا وقاوموا هذا التنظيم الظلامي وانتصروا عليه في سورية والعراق.
عاد الكرد للفت انتباه العالم من جديد، لكن هذه المرة عبر صناديق الاقتراع والعمل السياسي، حينما استطاعوا تحقيق اختراقات انتخابية غير مألوفة في خرائط الحياة السياسية التركية، بعد أن حصدوا نحو 13 % من الأصوات من خلال حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتكون في أغلبه من الأكراد. ثم عادوا من جديد بقوة؛ سواء من خلال إعلان تنظيم "سورية الديمقراطية" النظام الفيدرالي في شمال سورية، أو من خلال الأعمال الإرهابية المتكررة التي تضرب المدن التركية وتُنسب لحزب العمال الكردستاني. عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية. ونتيجة لحركات التمرد التي قامت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أعيد توطين الكثير من الأكراد، ومنعت الكثير من الأسماء والأزياء الكردية. كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأشير للكرد باسم "أتراك الجبل".
يصل عدد الأكراد إلى نحو 30 مليون نسمة في أربع دول بالإقليم. إذ يشكلون نحو 17-20 % من سكان سورية، ونحو %25  من سكان تركيا، ونحو 15-20 % من سكان العراق، ونحو 7-10 % من سكان إيران، ربما لا يكون هذا الوقت الملائم لاجراء استفتاء الاستقلال وتدشين الاقليم القاعدة للحلم الكردي، لكن لا يعني هذا مصادرة حقهم في تقرير المصير. 

الغد 2017-09-23



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات