الرصاص الذي أمطرنا في كنيسة النجاة

عرف العالم الإرهاب المنظم من خلال النظام النازي في ألمانيا. العقلية الألمانية التي اخترعت المطبعة والفوكس فاجن وقدمت للعالم هيجل وماركس اخترعت أيضا أفران الغاز في سبيل "الحل النهائي" للمسألة اليهودية. ونحن أمة العرب والإسلام ومن أرض الرافدين نقدم أبشع صور الإرهاب غير المنظم الذي تحار في فهم آلياته ومرجعياته وأهدافه.
عندما تخلص العالم من النظام النازي انتهت النازية، نحن من ماذا نتخلص حتى ينتهي الإرهاب الفوضوي؟
لم يبق غير المسيحيين هدفا! أي جنون هذا. ومن أجل ماذا ؟ نقتل المسيحيين في العالم من أجل أن تفرج الكنيسة القبطية عن زوجة القس التي قيل إنها غيرت دينها. واضح أن الشباب الذين احتجزوا الرهائن في الكنيسة لديهم رغبة في القتل فقط. ووجدوا في التحريض الطائفي المتبادل في مصر ضالتهم.
علينا أن نتخلص من فيروس الطائفية القاتل. وهو فيروس ينتعش وينتشر في أجواء الحرب الأهلية لكنه كامن وموجود في جميع دول المنطقة. وجريمة الكنيسة البشعة أثبتت أن قضايا المنطقة واحدة ومتداخلة. فشل الدولة المصرية في بناء دولة لا يختلف عن فشل الدولة العراقية فيها.
الفتيان الذين ارتكبوا الجريمة قد يكونون في العشرين، وهو جيل عراقي لم يعرف وطنا ولا مواطنة، ولدوا في بلد يتعرض لإرهاب داخلي من خلال نظام شمولي لا يرحم وإرهاب خارجي من خلال حصار ظالم لا يرحم أيضا. طفولتهم كانت قاسية جدا، وفتوتهم كانت أقسى، فقدوا كثيرا من الأحبة وغدا الموت أكثر حضورا من الحياة في عراق ما بعد الاحتلال.
سمعوا شعارات دولة البعث التي تقيم الوحدة العربية، ودولة العراق الإسلامية التي تجمع الأمة تحت راية أمير لا يرى وجهه إلا بعد أن يقتل. وبالمحصلة لا توجد دولة تؤمّن أبسط ضرورات الحياة.
لا يعرف هؤلاء تاريخ بلدهم، ليس الحضارات الداثرة، ولكن الدولة الحديثة. في العراق في أول حكومة في العهد الملكي كان وزير المالية ساسون حسقيل، وإلى اليوم تذكر مواقفه في النزاهة والحفاظ على المال العام، وفي الدارجة العراقية يقال لمن يتشدد ماليا "يحسقلها". الحركة الصهيونية وليس "دولة العراق الإسلامية" من روع اليهود العراقيين بهدف تهجيرهم إلى الكيان العنصري. وقد وجدت في الحركة القومية العربية المتطرفة التي عجزت عن محاربة المحتلين فلجأت إلى استهداف المدنيين العزل، حليفا موضوعيا.
اليوم تقوم "دولة العراق الإسلامية" بالدور نفسه. وتقدم هدية لساركوزي الذي يريد استضافة إخوتنا الذين عشنا معهم آلاف السنين، ويحول مسيحيي المنطقة إلى "المارونية السياسية" لا إلى الشركاء في الجماعة الوطنية. الرد السريع من الأردن باستضافة الناجين من الاعتداء رسالة واضحة أن هؤلاء ليسوا فرنسيين، هم منا ونحن منهم، والرصاص الذي انهمر عليهم أصابنا أيضا. (الغد)