إدارة أوباما.. نصف ولاية واستدارة كاملة

حتى قبل أن تكمل نصف ولايتها ، كانت إدارة الرئيس أوباما ، قد أحدثت استدارة واسعة في مقاربتها لملفات المنطقة ، في عملية يمكن وصفها بأنها "عود على بدء" ، والبدء هنا هو ما بدأته إدارة الرئيس الأمريكي السابق ، وليس ما انتهت إليه من مواقف وسياسات حيال ملفات المنطقة ، والأرجح أن نتائج الانتخابات النصفية أمس الأول ، ونجاح الجمهوريين في إحكام قبضتهم على مجلس النواب الأمريكي ، سوف تعزز هذه "الانتكاسة" في السياسة الخارجية الأمريكية.
من الحوار مع إيران والانفتاح عليها ، إلى أعلى درجات الحصار الاقتصادي والتجاري.. من خطاب المصالحة مع العالم الإسلامي والانفتاح عليه ، إلى العودة لخطابات "الحرب على الإرهاب" التي اشتهر بها بوش وتشيني ورامسفيلد ، ومن على ذات المنصات تقريباً.. من اشتراط وقف الاستيطان للاستنئاف التفاوض وبناء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، إلى اقتراح تأجير غور الأردن لـ"نظرية الأمن الإسرائيلية".. ومن الحوار على سوريا واحتوائها ، إلى سياسة "هزّ السبّابة" في وجهها.. ومن مقاربة لبنانية تجنح للحوار والتهدئة ، إلى سعي محموم لـ"شدشدة براغي" جماعة 14 آذار ، ومن رفع "الفتيو" جزئياً أمام الحوار الفلسطيني وإعطاء ضوء برتقالي للمصالحة ، إلى نفض الغبار عن شروط الرباعية وإشعال ضوء أحمر ساطع في وجه المصالحة ، تحت ذريعة عدم إهدار مكاسب دايتون وإنجازات بلير في الضفة.
ثمة نبرة تصعيدية في خطاب الإدارة الأمريكية حيال عدد من ملفات المنطقة ، دفعت بعض حلفاء واشنطن من الاعتدال العربي ، دولا ومنظمات وجماعات ، إلى وقفة مراجعة وإعادة تقييم ، فما بدا بعد قمة الكويت التصالحية العربية أنه ريح جديدة تهب على عواصم العرب ، وما أعقبها من مصالحات سورية - سعودية ، وزحف لبناني (الحريري - جنبلاط) صوب دمشق ، يبدو أنه أزعج دوائر عديدة ونافذة ، في واشنطن وتل أبيب وبعض عواصم المنطقة ، ما دفعها للتحرك بقوة لإطلاق هجومها المضاد ، وها نحن نشهد إرهاصات هذا الهجوم الشامل على غير جبهة وفي أكثر من ساحة.
في لبنان ، فشلت محاولات احتواء تداعيات المحكمة والقرار الظني ، والفريقان يتجهان إلى مواجهة تغذيها تصريحات فيلتمان ومواقف القاهرة وفريق من عرب الاعتدال مقرب من دوائر المحافظين الجدد ، ولا يبدو أن "الشحنة" التي وفرتها زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدمشق وبيروت (صحبة الرئيس السوري) ، قادرة على جبه رياح التصعيد وصدها ، فالمعادلة السورية السعودية (س - س) تترنح ، والتصعيد سيد الموقف.
وفي فلسطين ، تبددت موجة التفاؤل الأخيرة ، وبدا أن لقاء مكة بين مشعل وسليمان ، قد استنفذ مفاعيله ، فيما المصادر تنقل عن القاهرة أنها أبلغت عباس بـ"الفيتو" المصري ـ الأمريكي ـ الإسرائيلي ، ضد تقاسم ملف الأمن بين فتح وحماس ، فما في الضفة لفتح وحدها ، وما في غزة ، لفتح وحماس ، مؤقتاً وإلى أن يصبح لفتح وحدها.. وفتح هنا كما يعرف السادة القراء ، هي تعبير "مجازي" عن تيّار نافذ فيها ، متسق ومتساوق مع فلسفة "بلير - دايتون وطريقهما الثالث".
وفي العراق ، بدا أن فرص تشكيل حكومة جديدة ، تبتعد كلما اقتربت ولاحت في الأفق بوادر توافق عراقي ، فالمبادرات المضادة ، وإن كانت كالرصاصة الطائشة ، لا فرص لها للنجاح والتقدم ، إلا إنها كفيلة بخلط أوراق اللعبة ، وعرقلة فرص الحل وتأخيرها على أقل تقدير ، وهي وإن تدثرت بلبوس عروبي واضح ، إلا أنها تنتمي لمدرسة في العروبة ، لا تنتعش إلا في مواجهة إيران ، ويختفي صوتها ويتبدد عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع إسرائيل ، عدواناً وتوسعاً واستيطاناً.
أما على الملف السوري ، فإن التصعيد الأمريكي ضد دمشق ، والحملة السياسية والإعلامية المصرية ضد سوريا وقيادتها - ورئيسها بالاسم - فضلا عن تحفظ فريق سياسي سعودي على كل جهود التقارب مع سوريا ، وارتفاع حدة الخطاب "الآذاري" ضد سوريا ، خصوصا من قبل تيار المستقبل ، كل ذلك يؤشر إلى انتكاسة جديدة في الإقليم بمجمله.
هذه التطورات جميعها ، سبقت الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي ، وهي ستتعزز بعد فوز الجمهوريين الواضح فيها ، والأرجح أن عاماً جديداً من التصعيد ، سيطل برأسه بعد عدة أسابيع ، وسوف تكون ساحات المواجهة وخطوط التماس ، هي ذاتها التي شغلت المنطقة خلال سنوات وسنوات: العراق ، فلسطين ولبنان ، من دون أن ننسى اليمن والصومال والسودان و"الحبل على الجرار". (الدستور)