أعراب متنكرون!!

هل يمكن لاحدنا ان يتخيل انجليزيا او فرنسيا يجلس في مقهى او بهو فندق في باريس او لندن ثم يشعر بالزهو والتفوق على ابناء جلدته عندما يفرد على طاولته جريدة عربية؟ او يتباهى على الاخرين من حوله بكونه يعرف كلمات من اللغة العربية ، واقلها كلمة شكرا؟.
وهل يمكن لاحدنا ان يتخيل ايضا واحدا من هؤلاء يرتدي كوفية وعقالا في الشارع او المقهى ، بعيدا عن الجمال والحمير التي يقودها الصبية الادلاء بين اطلال الاثار في بلاد العرب؟.
بالطبع لا ، ما من خيال يصل الى هذه المشاهد لان المعادلة باتت واضحة وحاسمة ، وهي سايكولوجيا المغلوب الذي يتماهى مع غالبه.
ليس فقط على الطريقة التي تحدث بها ابن خلدون بل على طريقة هذا الزمن الذي تزاوجت فيه المتناقضات البدائية وما بعد الحداثة والمدنية وما قبل الدولة ، والتكنولوجيا في ذروة توظيفها للخرافة،.
مطاعم العرب ومقاهيهم اصبحت تخجل من اللغة العربية ، فاسماء الاطعمة والاشربة كلها بالانجليزية او الفرنسية وحتى الفول والفلافل اصبحت تكتب بحروف لاتينية.
نعرف ان للمغلوب مثل هذه السايكولوجيا المفعمة بالشعور بالنقص ازاء الاخر الغالب ونعرف كم اصبح العربي يخجل من لغته واحيانا من اسمه ان كان مشتقا من الابجدية وهو حين يفعل ذلك يتوهم بان الاخر سوف يتقبله ، ويتيح له الاندماج في سياقه الحضاري ، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما فالاخر الذي يقلده يسخر منه واحيانا يشفق عليه لانه يعرف كم هو بائس ومدقع الثقافة والروح لهذا اجاب الكاتب اللبناني بالفرنسية جورج شحادة صحفيا عربيا بيروت ساله باللغة الفرنسية قائلا: ارجوك ، اسألني بلغتك فقد جئت الى هنا كي لا انساها ، ومن قبله قال الشاعر الجزائري مالك حداد للشاعر الفرنسي اراغون ان اللغة الفرنسية هي منفاي وحين سئل ذات يوم عن اهم انجازاته الثقافية ومها دواوينه ورواياته اجاب بان ابنه هو اهم هذه الانجازات لانه يتقن اللغة العربية قراءة وكتابة ولم تعد الفرنسية منفاه كما كانت لابيه،.
قد لا يعرف معظم العرب ان هناك لغات بالالاف معرضة للانقراض خلال العقود القليلة القادمة ، بل هناك لغات تنقرض بشكل شبه يومي انها مطرودة من العصر وثقافته ووسائل اتصاله ، وقد لا يعرف ايضا ان هناك مؤتمرات تعقد لحماية اللغة الفرنسية من الانقراض ، رغم ما تنعم به من انتشار وقوة ، اذ يكفي ان هناك خمس وخمسين دولة تحت المظلة الفرانكفونية ان العربي الذي يرطن بلغته ليس غريب القلب واللسان فقط كما قال المتبني وهو يقف حزينا في شعب بوان ، فهذا العربي عرضة لفقدان الذاكرة ايضا ، وقد يغير اسمه او يجري جراحة لتغيير لون جلده كما فعل مايكل جاكسون ، لانه يشعر بانه غير مرغوب فيه ، سواء في موانئ العالم ومطاراته او في السفارات واستمارات الفيزا التي بلغت حدا من الصعوبة كما لوانها تأشيرة سفر الى القمر او المريخ،.
ان ما انجزه الاسلاف يبدده احيانا الخلف غير الصالح ، وبسفاهة يصفق لها الاعداء ، بل يرقصون طربا كلما شاهدوا عربيا متنكرا واشبه بغراب فقد المشيتين،،. (الدستور)