الري بالتنقيط!

تم نشره الخميس 12 تشرين الأوّل / أكتوبر 2017 01:05 صباحاً
الري بالتنقيط!
حلمي الأسمر

في تقاليد الزراعة التقليدية، كان الفلاح قديما يسقي مزروعاته بطريقة بدائية، تعتمد على القنوات السطحية، حيث يكون الهدر في المياه كبيرا جدا، قبل اختراع الري بالتنقيط، وكانت المياه تفلت من السيطرة، فتغرق الحقل، خاصة إذا كانت المياه متدفقة بشكل قوي، ولا يوجد عدد كاف من حملة الطوريات من عمال السقي!
ما يحدث في عالمنا اليوم يشبه هذه الصورة التمثيلية، حيث تسيل الأحداث بكثافة منقطعة النظير، ويكاد يغرق الكوكب بانفجارات لبؤر تتزايد بشكل يومي، وتعجز مراكز الأبحاث ومن يديرها من سدنة حكومة العالم عن اللحاق بالتطورات، والسيطرة عليها، حتى ولو كانوا من صُناعها، فأنت تعرف كيف تبتدع المشكلة، ولكن قد تخونك قدرتك في السيطرة عليها، بل قد تخطىء في كيفية استثمارها، وتسخيرها لمصلحتك!
معظم ما يجري في منطقتنا، أحداث مصنوعة، قد تبدو لمن يضيع في تفاصيلها، وكأنها قدر مقدور، بقية الأحداث ليست مصنوعة، بل ربما تكون بداية لحدث ما، تجري عملية تغذيتها وتطويرها أملا في استثمارها فيما بعد، قلة قليلة من الناس تمتلك آلية رؤية الحدث بشمولية، ومن خارجه، لمعرفة مصدره ومآله، وربطه بغيره، وكثيرون يضيعون في التفاصيل، ويرون كل ما يجري من طاقة صغيرة، تجعلهم أسرى لقصر نظر مزمن، لهذا ابتدع العالم المعاصر ما يسمى بالـ ثنك تانكس أو مراكز الأبحاث والتفكير بعقل بارد، يرقب المشهد بهدوء ويتأمل الأحداث دون أن يكون جزءا منها، لتوضع خلاصات هذه المراكز بين أيدي صاحب القرار، الذي عادة ما يكون جزءا من الأحداث، ولا يمتلك آلية النظر الشمولي، لتقدير الموقف بشكل علمي وعملي.
أكثر ما يغيظني حينما أحاول أن أرى الأحداث في بلادنا من زاوية رؤية شاملة، دون الاستغراق في التفاصيل الصغيرة، تورط أهل هذه البلاد العربية في صراعات بينية إثنية وعرقية ومذهبية، واصطفافهم الحماسي مع قوى هي جزء من المشكلة، بل ربما تكون هي المشكلة كلها، حيث كل همها إذكاء الحروب الأهلية والصراعات الداخلية بكل سبيل ممكن، وتجد من بعض الأطراف حماسا منقطع النظير لتحقيق هدفها، ولا تدخر جهدا في إيقاد نيران الفتن كلما خبت شعلتها!
الصراع في بلادنا، في أصله، ليس بين سنة وشيعة، ولا بين مسلم ومسيحي، ولا بين علماني كافر! وإسلامي متشدد! ولا بين محافظ وليبرالي، وكل من يعتقد أن الصراع هكذا، تفوته فرصة رؤية المشهد الشمولي للصراع، ويصبح بالتالي عونا للأيادي الخفية التي تعبث بنا، وبمصائرنا، وتستمتع بمشهد دمنا المسفوح بأيدينا، كأننا نمارس عملية انتحار ذاتي بمنتهى الحماس!
هناك عدو حقيقي واحد، فتش عنه دائما في كل ما يجري، مدعوم بشكل أعمى من قوى الغرب المتوحش، إنه المشروع الصهيوني في فلسطين، وكل بندقية لا توجه إلى صدر هذا المشروع، هي بندقية ضالة أو مضللة أو خائنة، تحت أي مبرر ومسوغ، العقلاء في بلادنا مدعوون للتوقف ولو مليا لرؤية الحدث بعيدا عن تفاصيله الملطخة بالدماء، لكي يروا أننا ننزلق سريعا إلى هاوية سحيقة، ونطلق النيران على أجسادنا، فيما مصدر الخطر ينعم أبناؤه بيوم مشمس على شاطىء المتوسط، ويحيون حياتهم برغد واطمئنان!
البؤرة الوحيدة التي تعيش حياة رائقة، وتستمتع بدفء شمس تشرين، هي نفسها صاحبة المصلحة في أن يموت أطفالنا تحت الركام، هل من مستمع لصوت آخر، غير صوت التحريض والتجييش وإذكاء نار الفتن؟
قلنا كل هذا الكلام من قبل، ونعيد ونزيد، لأن ثمة من لا يريد أن يفهم، أو يفهم ولا يريد لغيره أن يفهم!

الدستور  2017-10-12



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات