في المتحف

تم نشره الأربعاء 10 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 06:41 صباحاً
في المتحف
بسمة النسور

أكدت لي مرافقتي الإسبانية أثناء تجوالنا في المتحف المدريدي العريق، أن المشهد الذي أراه حيا أمام عيني، هو مشهد مألوف وعادي جدا، وأنه سيتكرر كثيرا على مدى أروقة المتحف وأجنحته الباذخة. وهذا ما حدث بالفعل خلال تجوال دام ساعات أربع من تذوق خلاصة الفن والإبداع والجمال المتجذر في عمق التاريخ، متضمنا أعمال عمالقة الفن وعظماء البشرية أمثال بيكاسو وجويا ورينوار وفان كوخ ودالي وشاجال وغيرهم كثيرون، في واحد من أكبر متاحف اسبانيا وأكثرها عراقة، كما أصرت الصديقة أن الأمر لا يستحق كل ذلك الانفعال والتأثر الذي ظهر علي، وسألتني ببراءة ألا يتم الأمر في بلادكم على هذا النحو كذلك؟! مما صاعد من إحساسي بالغيرة والحسرة.

وكانت الصديقة الإسبانية المبتلاة برفقتي استجابت لطلبي في تخليد لحظة صدمتي الحضارية التي نويت مشاركة الأصدقاء في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين فيها، ذلك بالطبع بعد إرسال نسخة للاطلاع على الجهات الرسمية المعنية بالشأن التربوي والثقافي والتنموي كذلك، فالتقطت بكاميراتها مشكورة صورة لمجموعة من الصغار لعلهم في الصف الخامس الابتدائي ليس أكثر! يفترشون الأرض ويستمعون إلى شرح معلم الفن الذي اصطحبهم في رحلة مدرسية إلى المتحف وانخرط في شرح دقيق لتفاصيل إحدى لوحات سيلفادور دالي كمثال على المذهب السريالي، يا جماعة الخير، والله على ما أقول شهيد !

ما أثار حنقي حقا أن الصغار الذين تحمسوا لفكرة التقاط صورة لهم من قبل امرأة غريبة أثناء الدرس، فجادوا على الكاميرا بابتسامات شقية من فرح خالص تشبه لحظة تفتح الورود، تابعوا إنصاتهم وتفاعلهم الحيوي مع المعلم.

شرحت لي مرافقتي أن أطفال إسبانيا يتعرضون منذ وقت مبكر جدا إلى أشكال الفنون كافة من موسيقى كلاسيكية ومسرح وسينما، يتلقون هذه العلوم بشكل إلزامي في المرحلة الابتدائية، لتتشكل فيما بعد ذائقة الفرد الشخصية المستقلة، ولكن المنطلقة من ذلك الإرث الفني العظيم. ولا أظن أن الحال يختلف في أي من دول أوروبا، تلك القارة التي يكاد المرء ينكر تاريخها الدموي ليس بالبعيد حين يتأمل في مفردات الحضارة والثقافة والفن والجمال المرمية في جنبات الشوارع.

تذكرت حصة الفن في مدارسنا منذ غابر الأزمان، حيث كنا جميعا نحصل وبقدرة قادر على تقدير جيد جيدا، وهذا بالضبط ما عولنا عليه إضافة إلى حصة الرياضة التي لم نمارس فيها سوى رياضة الثرثرة لعدم وجود ملاعب في معظم المدارس آنذاك، وكنا جميعا نرسم صورة رديئة واحدة ليس لها بديل لبيت أوروبي قديم ذي سقف قرميدي تحيطه أشجار باسقة ويمر من جنبه جدول ماء وشمس مشرقة نلصقها في زاوية الصفحة من دفتر الرسم (أبو خمسة قروش)، وهكذا كانت تمر السنة الدراسية تلو السنة من دون أن يتلقى الطالب منا أي معلومة فنية تذكر، ومن دون أي رعاية لذوي المواهب الخام، الذين كانوا يثيرون غيظنا لمهاراتهم في الخروج عن النمط.

بطبيعة الحال كان ذلك في قديم الزمان، ومن المؤكد أن الحال اختلف كثيرا في مدارسنا الحكومية منذ ذلك الوقت أو هكذا نتأمل، غير أنه لم يصل بعد كما أجزم إلى مرحلة اتخاذ مبادرات فردية من معلمي الفن لاصطحاب تلاميذهم في زيارات ميدانية لمعارض تشكيلية نوعية تقام في العاصمة لفنانين أردنيين وعرب لهم بصمتهم ومنجزهم المعترف به دوليا، وسيمر وقت طويل على ما يبدو قبل أن يقف الناس طوابير ويدفعوا رسم دخول من أجل زيارة معرض ما، لأن التدرب على الاحساس بالجمال ليس بالأمر اليسير، ويتطلب إضافة إلى التراكم المعرفي والحضاري خطة نهوض حقيقية بالإنسان. ورغم كل تلك المعطيات غير الوردية غير أن الأمل سيظل معقودا على الغد، لأن القادم ينبغي أن يكون أجمل دائما، هكذا نحب أن نصدق! (الغد)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات