عن اليوم الانتخابي الطويل

لم تكن نسبة الاقتراع قد بلغت حاجز الخمسين بالمائة عند كتابة هذه السطور (الرابعة بعد الظهر) ، ومن الطبيعي أن نتائج عمليات الفرز ، لم تكن قد بدأت بالظهور ، وكذا الأمر بالنسبة لتقارير المراقبين والراصدين والمشاهدين الأردنيين والدوليين ، لذا سنرجئ البحث في كل هذه العناوين المهمة ، إلى قادمات الأيام والمقالات ، وسنكتفي هنا بالاعتراف أننا نحن - المجتمع - من سقط أو كاد يسقط في "يوم الاختبار العظيم" ، بعد أن تميز اليوم بالانتخابي ، بتطاول بعض المرشحين وممثليهم ، على مراكز الاقتراع ورجال الأمن والمواطنين من مؤيدي المرشحين المنافسين.
يا الله، من أين يأتي هؤلاء بكل هذه الجرأة والدافعية للتطاول على القانون والنظام العام ، وفي لحظة شديدة الدقة والحساسية كلحظة الانتخاب.
يا الله، أية تربية وأية ثقافة وأية أنماط حياتية ، تجعل "الواحد" من هؤلاء قادراً على استلال سكين أو تأبط "بلطة" أو إشهار "قنوة" وكل ما يقع تحت يديه من أدوات حادة وسلاح أبيض (أسود بالأحرى) للهجوم على جموع الناخبين لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم أو لإجبارهم على التصويت بعكس إرادتهم ، أي قانون يسعى هؤلاء لفرضه علينا بقوة البلطة والقنوة؟.
وكيف يمكن لمترشح أن يندفع لترتيب هجوم على صندوق اقتراع بهدف سرقته والعبث بمحتوياته ، وما الذي دار في خلد الرجل وهو يفعل ذلك ، هل ظن أن بمقدوره أن يملأه بما شاء من أوراق ، ومن أين سيأتي بالأوراق التي سيودعها الصندوق ، وهل ظن بأنه سيفلت بفعلته ، هل أراد "التعطيل" على منافسيه ، هل توقع أن يجد مفاجأة ، ما الذي حرك هذا المواطن وصحبه ، لفعل فعلته ، أو بالأحرى للتفكير والتخطيط لمقارفة محاولة من هذا النوع.
قبل أسابيع ، قرأت مقالاً لأحد الزملاء في الصحف المحلية ، لم أعد أذكر من هو ، يتساءل فيها عن "سر جرأة" بعض المترشحين الذين قرروا خوض غمار الانتخابات من دون أن يتوفروا على أي تأهيل من أي نوع ، إنها فعلا الجرأة على "قبة البرلمان" ومكانتها وهيبتها ، عندما يظن أي مواطن أنه مؤهل للجلوس تحت القبة ، طالما أن كل ما يحتاجه ، مبلغ من المال ، بصرف النظر عن مصدره ، إجماع أو نصف إجماعي عشائري أو حمائلي. أتفق مع الزميل على أنها جرأة تعكس تراجع هيبة البرلمان ومكانته.
ولكن الجرأة التي أظهرها بعض المترشحين وأنصارهم في يوم الانتخاب ، هي جرأة ما بعدها جرأة ، وتطاول ما بعده تطاول ، جرأة وتطاول.
لقد تساءلنا بالأمس ، عن الكيفية التي سنتجاز فيها "يوم الاختبار العظيم" ، حكومة وأحزابا ومترشحين وناخبين ومقاطعين ومواطنين ، ويبدو أننا اليوم في وضع يمكننا من الحكم بالإخفاق على إداء البعض من مجتمعنا ، تميز سلوكه بالعنف غير المبرر ، والهمجية "الضاربة أطنابها" ، وسنذهب في الأيام المقبلة ، إلى تحليل الكيفية التي اجتازت بها بقية الأطراف ، هذا الامتحان الدستوري.
لدينا انطباعات عن مجرى العملية الانتخابية ، وأداء الحكومة في أثنائها ، وهو انطباع إيجابي في الغالب الأعم ، فالإجراءات كانت سلسلة ، ولم نعرف - حتى الآن - عن أية انتهاكات تذكر ، وسننتظر تقارير المراقبين لنصدر حكمنا كمراقبين أفراد ، لكن المؤشرات الأولى تدفع للاعتقاد بأننا كنا أمام يوم انتخابي سلس.
ولدينا انطباع آخر ، يسجل لصالح المقاطعين ، الذين أظهروا قدراً من التحضر في التعبير عن موقفهم الرافض للمشاركة في العملية الانتخابية ، فلم يسجل أن حزباً أو جماعة مقاطعة ، حاولت تعطيل سير العملية الانتخابية أو منع المواطنين من ممارسة حقهم الدستوري.
هي انطباعات سريعة ، عن يوم انتخابي طويل ، لنا عودة مع كل "مفردة" منها ، في الأيام القليلة المقبلة .
( الدستور)