موت الدولة العربية

تم نشره السبت 13 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 03:42 صباحاً
 موت الدولة العربية
فهد الريماوي

المدينة نيوز – كتب فهد الريماوي : في مقالنا السابق العنوانه "الطالعون من جوف حصان طروادة " القينا بعضاً من الضوء على ظاهرة العملاء والوكلاء والمندسين الذين تسللوا في السنوات الاخيرة الى مختلف المواقع والمراتب والمراكز الحساسة في معظم الدول العربية، وعاثوا نيابة عن اسيادهم الصهاينة والامريكان خراباً في المؤسسات العامة، وفساداً في صنع القرار، وبؤساً في مصير البلاد والعباد•
قلنا في ذلك المقال الذي اثار اهتماماً سياسياً واسعاً، ان اعداء الدولة العربية اصبحوا في داخلها، وان صعوبة كشفهم والامساك بهم وضبطهم بالجرم المشهود، لا تحول دون تتبع اعمالهم التخريبية، وملاحقة سياساتهم المعاكسة للعروبة، وممارساتهم المناهضة للمصالح الوطنية والشعبية، ثم اعدنا للاذهان اعتراف الدكتور مصطفى الفقي، احد اركان النظام المصري، حين قال جهاراً نهاراً ان تعيين اي رئيس جمهورية في مصر هو رهن بموافقة امريكا ورضا اسرائيل، وليس رهناً بارادة الشعب المصري ورغبته•
هذه المقدمة التذكيرية مهمة وضرورية للحديث في مقال اليوم عن ظواهر احتضار الدولة العربية التي لم تعد خافية على احد، بعد ان تعددت وتأكدت وباتت تنذر بموت محقق لمعظم الدول العربية، سواء عن طريق التشظي والانقسام والاحتراب وفق اعتبارات جهوية وطائفية ومذهبية وعرقية، او عن طريق التكلس والتعفن والهمود والتأزم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فقدان الحمية والحيوية والدافعية للتنمية والتقدم والمشاركة الشعبية واللحاق بركب العصر•
كل الدول العربية تقبع حالياً بين اشداق الخطر، وتسخّر طاقاتها لاستنزاف ذاتها، وتسير نحو التقهقر والتخلف وليس التقدم والنهوض، وتنوء تحت مطرقة الضغوط الخارجية وسندان الازمات الداخلية، وتعاني من النقص في هيبتها وسيادتها وارادتها واستقلالها، بقدر ما تعاني من التفاقم في آفات الفقر والبطالة والفساد والتسيب الاداري، ناهيك عما تكابده من "ام المشاكل " المتمثلة في المباعدة بين القمة الرسمية والقاعدة الشعبية في كل دولة، كما في المباعدة اللا قومية بين سائر هذه الدول التي لم تعد قادرة على تحقيق ادنى مستويات التضامن العربي•
معظم الانظمة العربية تحللت، طوعاً او كرهاً، من عروبتها، وادارت ظهرها للمشروع الوحدوي النهضوي وللجماهير الشعبية العربية، وحسبت ان التحاقها بالعواصم والمراكز الاجنبية سوف يشكل لها خشبة الخلاص، ويغنيها عن جماهيرها وعن تضامنها فيما بينها، ولكن واقع الحال لم يحقق هذه الاماني والآمال، بل ادى الى عكسها على طول الخط، واثبت خطل الرهان على غير الجماهير الشعبية والهوية العربية والمشاريع القومية التكاملية•• غير ان هذه الانظمة المكتظة بالعملاء والمندسين لا تريد ان تسمع او تقنع او ترى الحقيقة السافرة، الامر الذي يزيد الطين بلة يوماً بعد يوم، ويدفع الدولة العربية دفعاً نحو الاحتضار والدمار•
معظم الانظمة العربية توهمت، عمداً او عفواً، ان مصادقة امريكا ومهادنة - او مصالحة - اسرائيل ولو على حساب مبادئها وثوابتها ومصالحها، يمكن ان يجنبها المخاطر، ويجلب لها السلامة، ويسهم في تعزيز امنها واستقرارها، ويوفر عليها الكثير من الجهد والوقت والمال، ولكن حساب السرايا اختلف تماماً عن حساب القرايا، حيث ثبت ان مخاطر التبعية لامريكا اكبر من مخاطر مناهضتها، وان تكلفة الصراع مع اسرائيل اكبر من تكلفة مصالحتها، ولعل الشواهد على ذلك كثيرة وماثلة للعيان•
انظروا اين كانت الدولة المصرية - قائدة العرب - قبل حفنة اعوام، واين اصبحت الآن، واين يمكن ان تصل مستقبلاً اذا بقي الحال على هذا المنوال، وكيف هزمت نفسها بنفسها حين باعت دورها، ورهنت ارادتها، وصالحت اعداءها، وخاصمت اشقاءها، وارتضت ان تهوي من علياء مجدها الناصري الى حضيض الهرقلة والتهلكة والترهل والتفكك وانعدام الوزن•
انظروا اين كانت الصومال والسودان والعراق واليمن وقضية فلسطين قبل بضع سنوات، واين اصبحت جميعها الآن، ومن هي الدول العربية المرشحة للالتحاق بها على دروب الخراب والاحتراب والانفجار والانتحار وفقدان الوحدة الوطنية والكيانية، خصوصاً وان بعضاً من الدول التي تبدو الآن آمنة ومستقرة، هي في واقع الامر ملغومة ومأزومة ومكبوتة بفعل السلطة الامنية التي ما ان ترتخي او تزول قبضتها حتى يقع من البلاوي والمفاجآت والمفارقات ما لم يكن يخطر لاحد على بال•• ذلك لان الشعوب العربية قد منيت في السنوات الاخيرة بالكثير من العلل والآفات والسلبيات، بعدما ابُعدت قسراً عن وطنيتها، وحوربت عمداً في لقمة خبزها، وحُرمت قصداً من اي مشروع وطني او قومي جامع يثير حماسها ويستقطب اهتمامها، ويحول دون انخراطها في مشاريع وتوجهات ضارة ومتخلفة وتحت وطنية•
واضح تمام الوضوح ان الاعداء في الخارج، والعملاء في الداخل قد اجتمعوا على الشعوب العربية، واجمعوا على تخريبها واحباطها، وتلويث قناعاتها ، وتسعير خلافاتها واخراجها من فطرتها الوطنية والقومية، وتحفيز غرائزها وشهواتها ونزواتها السفلية، وتشجيعها على التدابر بدل التناصر، والافتراق بدل الاتفاق، والتخاصم بدل التفاهم، توطئة لنسف الوحدات الوطنية والجبهات الداخلية في سائر الدول العربية التي باتت تسير حالياً ضمن سلم حلزوني تضيق حلقاته امامها مع كل يوم جديد•
وعليه، فقد باتت الدولة العربية رهينة المحبسين وضحية اضطهادين•• اضطهاد الانظمة الرسمية التي خانت دورها، وحسبت ان السلطة القمعية والاجهزة الامنية يمكن ان تحل محل الدولة المركزية•• واضطهاد المجتمعات الشعبية التي اصيبت باليأس، وامتلأت بالرعب، وتلوثت بالصغائر، وانشغلت بالهم الخاص والخلاص الفردي على حساب النضال الجماعي والعمل العام•
هذا هو المأزق القاتل، بل الممر الاجباري المؤدي الى موت الدولة العربية سواء بالتفكك او بالاختناق، سيما وان جمع الاعداء والعملاء لا يكف عن العمل الدائب لابعاد الدولة عن دورها الطبيعي في رعاية وحماية مواطنيها، وكذا العمل لتقويض ما تبقى من الدول العربية المتماسكة، والحاقها بركب زميلاتها الفاشلة والمحتضرة والغائبة عن الوعي•
الكثيرون منا ومن العالم تساءلوا باستنكار، لماذا لم تقبل حكومة شارون قبل ثمانية اعوام بالمبادرة السلمية العربية التي قدمتها قمة الحكام العرب في بيروت، ثم تساءلوا لماذا لا تقبل حكومة نتنياهو الحاضرة بهرولات سلطة محمود عباس التي وصلت حد التفريط بالحقوق التاريخية الفلسطينية، ولعل الجواب في ظني ان اسرائيل ليست في عجلة من امرها، مادامت تراهن على موت الدولة العربية، وتطمع في المزيد من التنازلات الفلسطينية، وتدرك ان المستقبل يعمل لصالح مشاريعها التوسعية، ليس ما بين النيل والفرات فقط، بل المحيط والخليج ايضاً !! ( المجد ) .



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات