ماذا حدث؟!

تم نشره الأحد 14 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 05:29 صباحاً
ماذا حدث؟!
محمد ابورمان

في خلفية الاحتفال الرسمي، بما تعتبره الحكومة "نجاحاً" في الحصول على شهادات دولية بنزاهة الانتخابات ونسبة اقتراع معقولة، فإنّ هنالك تفكيراً أكثر جدّية في ظواهر ومؤشرات مقلقة حملها المشهد الانتخابي الأخير، والتحضير لدراسة أكثر عمقاً وتحليلاً يستفيد منها "مطبخ القرار" في قراءة التحولات الجارية والاستراتيجيات المطلوبة.

المؤشر الأول المقلق، الذي بدأ يستحوذ على نقاش المسؤولين خلف الستارة، هو عزوف الأردنيين من أصل فلسطيني في المدن الكبرى، عن التصويت والاقتراع، وهو ما انعكس على النسبة المنخفضة في تمثيلهم إذ تقدِّرها أوساط رسمية بـ12 %، ما يعني أن التصويت كان محدوداً جداً.

بعض التفسيرات الرسمية الأولية تمتاز بطابع سطحي، فيما تذهب القراءة الرئيسة إلى ربط ذلك بمقاطعة جماعة الإخوان المسلمين، وعدم وجود بدائل وخيارات سياسية أخرى مقنعة لدى مجتمع يمتاز بقدر كبير من التسييس (مع التذكير أن قرابة 14 نائباً إخوانياً في انتخابات 2003 كانوا من أصول فلسطينية).

تلك القراءة منطقية ومتماسكة إلى درجة كبيرة، لكنها تحتاج أيضاً إلى قراءات أخرى لا تقل أهمية تتمثل بخيبة الأمل والإحباط العامة، وأيضاً "المنطقة الرمادية" التي يجد الأردني من أصل فلسطيني نفسه فيها مع الدولة، فهو لا يعرف ماذا تريد الدولة منه؟! فتارة يراد له أن يكون "مواطناً صالحاً" يقوم بكافة واجباته ويدفع ضرائبه، لكنه في المقابل يخشى من سحب رقمه الوطني عندما يريد تجديد هويته أو جواز سفره أو القيام بإجراءات أخرى.

مع ما تثيره هذه القضايا من حساسيات وأسئلة كبرى لا نجد هنالك حوارا مباشرا وعقلانيا وتوافقا تقوده الدولة على "المعادلة الذهبية" التي توازن بين سؤال المواطنة وحق العودة والهوية السياسية للدولة!

"المنطقة الرمادية"، بالمناسبة، تفسِّر أيضاً مشهد العنف والاحتجاج الذي تفجّر في يوم الانتخابات وما يزال جارياً، من الأردنيين (من أصول أردنية)، وقبل ذلك في رداءة الخطاب السياسي الذي تغلّف بالعصبويات العشائرية الضيقة، وابتعد تماماً عن أي طرح سياسي منطقي.

فالأردني (من أصول أردنية) لا يعرف هو الآخر ماذا تريد الدولة منه؟! فهي في بعض خطاباتها تنتقد العنف الاجتماعي الذي تفجّر، وترفض نمو الهويات الفرعية وتتهم شريحة واسعة بالكسل وانتظار الوظيفة الرسمية وتطالبهم بإدراك مفهوم المواطنة ودولة القانون والمساواة باعتبارها القيم العليا، وفي نهاية اليوم تعود الدولة بقانون انتخاب يعزز هذه الانتماءات على حساب الهوية الوطنية الجامعة ويجسِّد الهويات الفرعية ويقسّي الطموح بولادة حياة حزبية، ومن ثم يصبح المشهد الانتخابي تنافساً عشائرياً!

الحكومة ترفض تفسير الاحتجاج العنيف بقانون الانتخاب الحالي ودوائره الفرعية، معللة أنّ العنف هو سابق على قانون الانتخاب، كما يذهب التفسير الرسمي إلى اختزال ما نراه من احتجاجات بغضب المرشحين الخاسرين. لكن ما لا يمكن القفز عنه أن انفجار ظاهرة العنف الاجتماعي، بما تعكسه من أزمة دولة ومجتمع وقيم (بتعريف المجلس الاقتصادي الاجتماعي) كان يفترض أن تكون الانتخابات والعودة إلى الحياة النيابية "مفتاحاً" للخروج من الأزمة واستعادة المبادرة السياسية لكبح جماح التمرد المتنامي على "قواعد الشرعية"، بدلاً من ذلك أصبحت الانتخابات "مناسبةً" لتعزيز هذه الانشطارات الاجتماعية، ومنحها الشرعية!

ما بين "احتجاج صامت- رمزي" مارسته شريحة واسعة من المجتمع بعزوفها عن التصويت، واحتجاج عنيف ولدته أسئلة معقدة من علاقة الشريحة الأخرى بالدولة، فإنّ قراءة ما حدث في المشهد الانتخابي تستدعي الاعتراف أولاً بحجم الأزمة السياسية وعمقها، وهي الخطوة الأولى في التفكير باستعادة المبادرة وإحداث فرق نوعي في المسار الحالي! (الغد)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات