ثمن التشخيصات الخاطئة!

سيظل العرب الى اجل غير مسمى يدفعون ثمن الاخطاء في تشخيص قضاياهم ، المحلي منها والاقليمي والدولي ، لهذا نفاجأ بين وقت واخر بان العقاقير والوصفات التي صرفت من اجل معالجة الكبد مثلا هي اصلا للامعاء او البنكرياس مما يؤدي الى اتلاف العضوين معا ، ويبدو ان كل ما كتبه باحثون اجتماعيون ومتخصصون في علم النفس في العالم العربي ذهبت سدى وطواه الاهمال والنسيان خصوصا ذلك البعد المتعلق بالتربويات واساليب ارضاع الاجيال الجديدة انماطا عجيبة من الحليب السام ، ورغم دفع كل هذه الاثمان ، لا يتلقح العرب ضد الوباء وبالتالي ضد العدوى التي تتسرب من السياسة الى الاقتصاد ومن الاقتصاد الى الثقافة والتعليم ، فالمشهد يشبه الاواني المستطرقة ، والمعالجات الموضعية لا طائل من ورائها ، لأنها لا تعنى بالسياقات والمفاهيم الشاملة التي تتفرع منها كل هذه العناوين والتفاصيل الصغرى،
لا الحرب ولا السلام ولا ما بينهما من بطالة سياسية أفرز من الخبرة والحكمة ما يكفي لاستدراك ما تبقى أو ما يمكن استدراكه على الأقل...
وحين تتكرر الاخطاء تتحول الى خطايا وبالتالي يصدق الوصف الذي اطلقه جورج سانتيانا على الأمم التي تتوقف عن النمو لانها تضطر دائما الى البدء من الصفر ومن اول السطر ، فلا تراكم في التجارب ولا اتعاظ بالماضي ، سواء أكان قريبا أم بعيدا.
ان المناسبات التي تفرض على المراقب مثل هذه المراجعات عديدة ، وليست كلها سياسية كما يتصور البعض ، فالثانوية العامة او السامة بمعنى ادق مثال اخر متكرر في شجونها وما تقترن به من نوبات صرع ، ومخاوف واحيانا تفضي إلى حالات من الانتحار،
ان كل المناسبات التي تؤدي الى احتكاك اجتماعي تختبر منسوب التمدن والوعي لدى مجتمع ما ، والعالم العربي ليس محظوظا على الاطلاق في هذه الاختبارات المتعاقبة ، ان الحلقة المفقودة في ثقافتنا وتربوياتنا على ما يبدو هي اهم الحلقات في الداروينية السياسية لا العضوية ، وهي وعي حدود الذات واستحقاقاتها اضافة الى وعي الاخر ، وحين تصاب هذه المعادلة بالخلل يكون الاقتصاد والنبذ المتبادلين هما البديل الادنى للحوار والتفاعل الانساني المتكافئ.
ان من يرصد اهم البؤر في هذا الحراك العربي يجد ان هناك قواسم مشتركة عظمى بين العشرين دولة ودولة ، وان حدث استثناء لامر ما او لمجرد المصادفة فانه يكرس القاعدة ، ذلك لان الثقافة السائدة في هذه الحقبة تراكمية وليست كيفية او نوعية ، لهذا فهي لم تصل حد الرؤى الشاملة التي تقترح مناهج صالحة لمقاربة هذا الواقع،
ان التشخيصات الخاطئة هي اصل البلاء لان كل ما يعقبها يترتب عليها اولا، (الدستور)