خاطرة الأب الثاني

تم نشره الإثنين 15 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 07:06 صباحاً
خاطرة الأب الثاني
خيري منصور

اعتدنا ان نكرر عبارة بروتوكولية في عالمنا العربي هي الترحيب بالضيف في بلده الثاني رغم انه ليس متأكدا بأن له وطنا سواء كان الأول أو العاشر ، فالمواطنة في هذه الجغرافيا الجريحة لا تزال في طور العذراء ، وتلك بالطبع دراما يطول الكلام فيها ، المهم ان عبارة الاب الثاني نادرا ما ترد على ألسنتنا ، ولا يطلق هذا اللقب حتى على زوج الام ، لأن المثل يقول "من يتزوج أمي أناديه يا عمي". ما لفت انتباهي في حديث متلفز مع ابنة جيفارا هو تسميتها لكاسترو بالأب الثاني لها ، وهذا اعظم تقدير يمكن ان يقدمه انسان لآخر.

والحقيقة انه ما من مثقف أو ناشط حقيقي الا وله أب آخر ، لا علاقة له بأمه بالطبع ، لكنه الشخص الذي اضاء له الطريق ودله على المنابع ، وحين كتب سلامة موسى ذات يوم كتابا بعنوان هؤلاء علموني كان يعترف بآباء غير أبيه ، منهم الفيلسوف والحكيم والشاعر والمصلح ، لكن الزمن الأغبر الذي تورطنا به دمر عدة منظومات دفعة واحدة منها منظومة المفاهيم ومنظومة القيم ، وحين يتحدث المثقفون العرب نادرا ما يذكرون الاب الثاني لأنهم أساسا قتلوا الأب الاول في قبره ، أو حاولوا اختراعه مجددا بما يليق بأوضاعهم.

ثمة فارق كبير وحاسم بين اللقيط والعصامي ، فالعصامي لا يدعي بأنه نبت شيطاني ولا بد ان يكون له آباء دلوه على أول الطريق سواء كانوا من معلميه أو اصدقائه أو أقاربه ، لكن اللقيط هو من يزعم بأنه ولد بشارب ولحية وبكامل اللغة ، فلا يعترف ولا تمر بذاكرته أدبيات العرفان وثقافته ، لأنه يتصور بأن ذكر أي شخص اعانه يحرمه من مكانته أو يشكك في عبقريته اللقيطة.

ابنة جيفارا لم تبالغ بأية عواطف رغم ان لديها من المصداقية ما يكفي لأن تكذب باسم ابيها الف عام ، ذلك ببساطة لأنها تدرك بأن التاريخ لا يصنعه الأبطال وحدهم او الزعماء حتى لو كانوا من اصحاب الكاريزما الجاذبة ، ولا بد انها تعرف بأن أباها الذي كان مصابا بالربو لم يغادر السيجار الكوبي شفتيه ولم يعقه المرض عن حمل صندوق حديدي ثقيل مليء بالمعدات الطبية وهو يخوض في المستنقعات.

ان الناس الذين جربوا وحملوا عبء اسماء آبائهم قلما يكذبون او يخترعون القصص الاسطورية لأنهم ليسوا بحاجة الى ذلك ، ومن يفعل هذا هو الذي يحاول التعويض عما ينقصه ، وحسب امثالنا العربية وموروثنا الاخلاقي فان هناك من شابه أباه وما ظلم مقابل من حاول التشبه بأبيه زورا فكذب مرتين وبالتالي ظلم،

ان من ليس له اب اول ينتمي الى صلبه لن يكون له أب ثان ، أو ثالث ، بل سيكون له زوج أم أو عم وفي عالمي السياسة والثقافة ثمة نماذج لا تحصى من هؤلاء ، وقد يكون بعض الناس ومنهم السيدة ابنة جيفارا محظوظين بآبائهم بالولادة ، لكن هؤلاء ليسوا سواسية في استخدام هذا الحظر ، فالنار كما يقال تخلف رمادا في بعض الاحيان ، والفارق سيبقى حتى القيامة بين الابن والوريث ، فالابن سر أبيه بشكل أو بآخر ، لكن الوريث طراز آخر من الابناء ، انها مناسبة لكي يتذكر الانسان أباه الثاني شرط أن يكون ابنا جديرا يليق بأبيه الاول،، (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات