ثلاثة وخمسون عيد أضحى!

تم نشره الثلاثاء 16 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 07:01 صباحاً
ثلاثة وخمسون عيد أضحى!
حلمي الأسمر

عايشت حتى عيد الأضحى المبارك اليوم ، ثلاثة وخمسين عيد أضحى ، وفي كل عيد كنت أسمع ترويدة متكررة على لسان الناس: كل عام وأنتم بخير ، أو عيد بأي حال عدت يا عيد،

وقبلها وبعدها تتنزل شهب من القبل والمعانقات الغزيرة ، مصحوبة بأمنيات "الخير" و.. أعاده الله علينا وأمتنا ترفل في أثواب العز والسؤدد ، أو سوى ذلك من أمنيات وأدعية ، وأشهد أن أمنية واحدة من هذه الأماني الكثيرة لم تتحقق ، بل إن أثواب العز أصبحت مجرد أسمال أو ملابس بالية ، ملابس البالة أحلى منها وأكثر جدة ، وبعض البلدان العربية والإسلامية فقدت كل ملابسها ، ويا دوب تستر عورتها ورقة توت،.

المناسبة ليست مناسبة ندب وتحسر وبكاء على الأطلال ، بل مجرد تذكر أن ثمة عيدا مباركا عزيزا على قلوبنا جميعا ، يستدعي استدعاء كل ملفات الأعياد السابقة على رأسك ، ولا تكاد تتذكر منها كلها إلا مفارقة جارحة حد الفجيعة ، فالعيد أصلا مناسبة للشعور بالاحتفال ، ورؤية الأقارب والأهل واجتماع شمل الأسر ، لكن بالنسبة لي تحديدا ، ولربما ملايين غيري ، مناسبة لتفقد الغُياب ، كما يتفقد مربي الصف تلاميذه الغائبين ، منذ خمسين عيدا أو أكثر ، لم يلتئم شمل أسرتي تحديدا ، وفي كل عيد كانت الوالدة والوالد - يرحمهما الله - يحتفلان بالعيد بذرف الدموع ، الوالدة على ابنتها التي سافرت من طولكرم إلى عمان ولم تعد أبدا ، فقد ماتت ذات شتاء ، والوالد على شقيقه الذي فرقت بينهما النكبة ، فسافر إلى مصر ، وحين سافرتُ لرؤيته على أمل أن أجمع بين الشقيقين لم أجده ، فقد ترجل من هذه الدنيا ، وما لبث أن لحق به شقيقه ، فلم يجتمعا لا في عيد ولا في مأتم،.

هذا مجرد مقطع عرضي سريع وغير درامي بما يكفي للدلالة على تفرق الأسر العربية وتشتتها ، خاصة غربي النهر ، حيث يولد كثير من الأبناء في غيبة آبائهم ، فهم إما شهداء أو معتقلون ، وقل مثل ذلك عن عوائل وأسر شامية وعراقية وجزائرية ، ومصرية أيضا ، لأسباب شتى تتعلق بالنضال أو البحث عن الرغيف ، أو الفرار بالرقبة من سكين "الأضحية"،.

الأدهى والأمر ، أن هناك ماكينة نشطة تعيد إنتاج النكبة ، بطبعات عربية مزيدة ومنقحة ، فهناك طبعة جديدة من النكبة الفلسطينية الأولى أنتجت في العراق ، تضمنت تشتيتا للأسر ، وإنتاج المزيد من الأيتام ، والذكريات السوداء ، لاستدعائها للبكاء عليها في الأعياد والمناسبات الوطنية والقومية ، وهناك طبعة ثانية من النكبة الفلسطينية ، ولكن هذه المرة يشارك في صناعتها رفاق الدم والهم والغم ، وهناك طبعة جديدة وربما تكون موسوعة كاملة بصدد تنقيحها ومراجعتها قبل النشر في بيروت ، منارة العلم والفكر الحر النير ، والخشية أن تكون هناك مطابع سرية تستعد لإعادة طباعة نسخ أخرى من النكبة ، في أماكن سرية أو أقبية سوداء،.

ومع كل هذا ، كل عام وأنتم بخير ، فعيد الأضحى المبارك مناسبة تقهر الحزن ، وتستعلي على الجراح القومية والوطنية ، فثمة رغم كل هذا الغيم الذي يظللنا بقع ضوء تلمع ، تتكىء على إرادتنا العنيدة على اجتراح الفرح وصناعة الكبرياء ، ونبقى نحلم بًعيد قريب أو بَعيد نطالع فيه طبعة جديدة سالبة من النكبات والأزمات ، نتذكر فيها أحزاننا ونغرقها بسعادة تحل بنا ، ونحن نغرق في السخرية منها والضحك عليها بعد أن تصبح مجرد ذكريات؟ (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات