كساد مديد ربما يغير كل شيء

الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالعالم هي أعمق وأكبر بكثير مما نشعر، وربما يعود ذلك لقدرات الإنسان المدهشة على التكيف والبقاء، ولكنه في ذلك لا يدرك ولا يلاحظ غالبا عمق التحولات التي تجري حوله، وتغير كل شيء تقريبا، ولكنا بحاجة للتفكر والنظر فيما حولنا وملاحظة البدايات والنهايات الجديدة المقبلة لعصر مقبل، يتأسس على الكساد القائم اليوم، هل ستبقى السلع الرخيصة التي يوفرها الاقتصاد الصيني والآسيوي؟ وهل ستبقى أنماط الحياة القائمة على استخدام مسرف للطاقة إذا ما تواصل ارتفاع أسعار النفط؟ وهل سيبقى العالم المتقدم والغني يواصل تقديم المساعدات، أم أنه بدأ بالفعل في تخفيضها وإيقافها وتحويل وجهاتها وأولوياتها؟ وهل ستعود الزراعة والصناعات الغذائية لتكون الجزء الرئيسي والعمود الفقري للاقتصاد؟ وهل ستزدهر أنماط البناء واللباس والعمران القائمة على تقليل التكاليف والاستيراد؟ وهل ستبقى المهن والخدمات في تشكلاتها الأقرب إلى السرطانية والعشوائية؟ هل سيبقى الاقتصاد الرمزي والوهمي الذي صار يشكل أضعاف الاقتصاد الإنتاجي والسلعي؟ الأزمة ليست مجرد خسائر للشركات والبنوك، ولكنها انهيار نظام اقتصادي ومالي وقيام نظام بديل، تبدو ملامحه الأساسية في التقشف وإعادة التشكل والعودة الى الاحتياجات والموارد الأساسية والمحلية، وإعادة صياغة الأعمال والمهن على نحو جديد مختلف عن العقود الماضية، ومن ثم إعادة تشكيل الأنظمة التعليمية والمعرفية. نتحدث عن اقتصاد ومجتمعات المعرفة باعتبارها المورد الأساسي لحياة الناس ومدخل تطوير حياتهم وتحسينها وتنظيم مواردهم، ومن ثم تشكل ثقافات وقيم جديدة وأنظمة اقتصادية وسياسية جديدة أيضا.
في تتبعه لمسار الأزمة المالية يعرض بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد مجموعة من الأحداث والدروس الكبرى التي يجب الالتفات إليها.
أشارت أزمة الأسهم الكبرى عام 1987 برأي روبرت شيلر في كتابه "الحماسة المتهورة" إلى أن هناك المزيد من المغفلين الذين منحوا مستثمري الأسهم البراقة وخاصة في الإنترنت والتجارة الإلكترونية مكاسب كبيرة.
ثم كانت فقاعة المساكن، والتي يراها كروغمان تفتقر إلى المبررات، مجرد حماسة واندفاع أحمق، فقد تخلى السوق العقاري عن قواعده التقليدية، ودخلت العائلات والأسر في الاستثمار العقاري بتهور محاولة أن تستفيد من تصاعد أسعار المنازل من دون أن تعبأ بكيفية تسديد القروض التي تورطت فيها، وكانت قروض الإسكان مريبة أوقعت ذوي الدخل المتدني في ما يفوق طاقتهم، وثبت في النهاية أن العواقب بعد انفجار فقاعة المساكن كانت أسوأ من كل التصورات، لماذا؟ لأن النظام المالي تبدل بشكل لم يدركه أحد إدراكا كاملا.
وكما قال المفكر الاقتصادي جون كينز ''عاجلا أم آجلا سيتبين أن الأفكار وليست المصالح المكتسبة هي ما يشكل الخطورة في التقرير بين الخير والشر''. (الغد)