بحثا عن "العيدية"

تم نشره الأربعاء 17 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 07:32 صباحاً
بحثا عن "العيدية"
باسل طلوزي

ربما تجاوزتُ الدهرَ عمراً، غير أنني، في هذا العيد، تحديدا، لن أتنازل عن حقوقي التي سلبتها مني سنوات الوقار الأجوف... وسأطالب بـ"عيديتي" من أبي.

هذا العيد، سأدافع عن حقي في "العيدية"، و"المرجيحة"، و"الملبّس على لوز"، ومشاهدة فيلم "أبي فوق الشجرة"، للمرة العاشرة، وصندل "أبو ربطة"، تحت المخدة بانتظار صباح العيد.

هذا العيد، لن أتسامح مع أبي إذا لم تكن "العيدية" دينارا كاملا، عدّا ونقدا، على اعتبار أنني في العيد الماضي تنازلت عن حقوقي وقبلت بربع دينار، بعد أن خدعني أبي ووعدني بدفع الباقي على نزهة في سوق وسط البلد، لم تسفر، في النهاية، إلا عن كيس "ترمس".

صحيح أنني كبرت "بعض الشيء"، وبلغت الخمسين، لكن هذا الأمر لن يثنيني عن تصميمي، فأنا أحتاج أيضا إلى "مرجيحة" ذلك الولد السمين، الذي كان يعتلي قمة البشاعة في أعيننا، لا سيّما وهو يجردنا من مبلغ "العيدية" كاملة، لقاء تكديسنا بأرجوحته الخشبية المتهالكة، والتطويح بنا، في الهواء، مرتين أو ثلاثا.

غير أن "التأرجح" كان يعني، بالنسبة لنا، نحن الأطفال، في ذلك الزمن، الكثير من الدهشة الممزوجة بالرهبة، والضحكات المفتعلة الصاخبة، التي تخفي وراءها، مزيجا هائلا من الرعب.

كانت لذة التأرجح التي لم تكن تتاح لنا إلا في الأعياد، مغامرة فريدة، وتجربة ننتظرها بشغف بريء، لأننا كنا، من خلال ذلك الصندوق الذي تئز خشباته مع التطويح والتحليق، نتحرر ولو مؤقتا، من بؤس حاراتنا الفقيرة، ورتابة طفولتنا المكرورة كحبات العدس. وكان الصندوق يعني انتشالنا الخادع من فراغ ساعاتنا في زمن كانت أقصى حدود الدهشة فيه تتوقف عند المذياع المشدود بمطاطة في ديوان مختار الحارة.

نعم يا أبي أحتاج "عيدية"، وأريدها كبيرة هذه المرة، لأنني مزمع، أن أشارك أصدقائي من الأطفال الجدد، فرحا مغايرا، لا يبدأ بحدائق الطيور والحيوانات الغريبة، ولا ينتهي بمطاعم "المكدونالدز" و"البيتزا هت"، ومدن الألعاب الضخمة.

كما أنوي يا أبي، أن أنتعل حذاء إيطاليا، وأمضغ شوكولاتة "روشيه"، وأشاهد أفلام "رامبو" وهو يغزو المريخ، متمددا على "أريكة" في إحدى دور السينما التي تضاهي باتساعها حيّنا القديم برمته. وأحتاج "عيدية" تضاهي مبلغ دهشة الزمن الجديد التي لم يعد يحدّها ولا حتى التحليق بمركبة فضائية.

ها أنا يا أبي، لم أزل أقف متصلبا على باب غرفتك، بانتظار لحظة استيقاظك، لأقبل يديك، وأطاردك من غرفة لأخرى، مفتعلا بعض الصخب الطفيف، كي تتنبه لوجودي، وتمحضني "العيدية" المشتهاة، ليس لمرافقة أصحابي من الأطفال "القدامى" إلى بقالة "أبو إبراهيم" ذات الجدران الرطبة، والعابقة بروائح السمنة المباعة بالأوقية، وتبغ "الهيشي"، بل بصحبة الأطفال الجدد إلى "المولات" البراقة اللامعة، ذات الجدران الزجاجية الملساء، وروائح العطور الفرنسية النفّاذة، لأشاركهم متعة مشاهدة الأفلام ذات الأبعاد الثلاثة، وصعود الأدراج المتحركة، ومنافستهم على "بطولات" الألعاب الإلكترونية.

أما الأراجيح يا أبي، فلن أطالبك بها.. أتعلم لماذا؟

باختصار، يا أبي، لأن الأراجيح لم تعد اختراعا مدهشا، على غرار ما كانت عليه سابقا. ذلك أن التأرجح، أضحى جزءا من تفاصيلنا اليومية، من دون حاجة إلى صندوق خشبي معلق في الريح، نتدافع إليه بملء إرادتنا.

هل "شطحت" كثيرا، يا أبي؟ المعذرة، ولكن ماذا نسمي "صندوق" طفولتنا المتأرجح بين دمعة الحرمان وغصة المجهول، مثلا؟

وماذا نسمي "صندوق" الشباب المتأرجح بين رعب البطالة وسراب الراتب؟

وماذا نسمي "صندوق" الكهولة المتأرجح بين غبار الجمود وانتظار "الخاتمة"؟

أرجوك يا أبي أنا لم أزل "فوق الشجرة"، معلقا بصندوق "الزمن" السمين، هذه المرة، فاصرخ به أن يوقف "أرجوحته"، وقل له إننا مستعدون أن ندفع ما تبقى من رذاذ العمر لقاء لحظة توازن واحدة فقط.. واحدة لا أكثر!  (الغد)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات