قرن اليانصيب

نحن نعرف أن فكرة الثراء هي فكرة متسلطة بامتياز ، مثلما نعرف ان التاريخ البشري يظل محشواً بالمفارقات والطرائف التي ابتكرها الانسان في سبيل الحصول على الثروة في ضربة واحدة ، وقد ظلت هذه المحاولات عبر التاريخ مقبولة نسبياً ، ذلك أن من حققوا الثراء كانوا قد بذلوا بعض الجهد ، في سبيل تحقيق تلك الثروات.
لكننا في قرننا هذا قرن البزنس والكومشن ورابحوا أوراق اليانصيب ، وغسل الأموال بتنا لا نعرف أي شيطان في مطلع قرننا هذا يحكم فكرة الثراء.
ولعل أكثر الظواهر الثرائية تورماً في عصرنا هذا هو اليانصيب الذي حوله صاحب رأس المال الى تجارة رابحة بامتياز.
فصاحب الفضائية يعلن ضمن أجندته السنوية عن مجموعة من الجوائز باحجيات بسيطة يمكن حلها ببساطة ليبدأ بعد ذلك بتقبل الاتصال على رقم الهاتف الذي يظهر على الشاشة ، ولك أن تتصور نسبة الربح في هذا الكم الهائل في تلقي المكالمات المدفوعة الثمن ، ولك أيضاً أن تقارنها بالقيمة النقدية للجائزة ، لتكتشف حجم الأرباح التي تقطفها تلك الفضائية ، على حساب فكرة من هو الفائز الوحيد،.
وبلغ الاستهتار ببعض الفضائيات العربية ، أكثر من ذلك حيث قررت ان يكون بثها المتواصل خاصا باليانصيب والمسابقات حيث تظهر على الشاشة فتاة تفتعل كل الآهات الرخيصة في نيل استدراج المشاهد للمشاركة ودفعه الى الوقوع في مرض الاثراء السريع.
والامر ذاته ينطبق على الاذاعات أيضاً ، وعلى الصحف والمجلات والمحال التجارية والمولات أحياناً ، هذا عداك عن المؤسسات التي يقوم ترخيصها التجاري على أساس بيع أوراق اليانصيب تحديداً.
ان فكرة الاستسهال في الحصول على المال ، وحدوث ما يسمى بالثراء السريع تحولت بفعل تسويقنا الاعلامي الى ما يُشبه الايديولوجيا التي صارت تتحكم بعقلية جيل كامل.
وفي سياق هذا السيل الجارف من اليانصيب التي اتسعت رقعته كثيراً ، غابت تماماً شخصية الرجل العصامي الذي كان يحقق ثروته في وضح النهار بكده وعرقه.
وفي هذا المعمعان اليانصيبي العالمي صار الثراء فكرة فكاهية قائمة على الصدف والحظ وربما على النصب والاحتيال ، وصارت فكرة الكد والتريث في الحصول على الرزق فكرة غبية بامتياز ، وتلكم هي الكارثة. (الدستور)