حصاد الأحزاب في الانتخابات والبرلمان

ست قوائم حزبية شاركت في انتخابات 2010 ، مثلت خمسة عشر حزبا سياسيا ، حيث قاطع الانتخابات حزبان (جبهة العمل الإسلامي وحزب الوحدة الشعبية) ، واكتفى الحزب الثامن عشر (حزب البعث التقدمي) بالمشاركة في الانتخابات ، تصويتاً لا ترشيحاً ، تاركا الأمر لقواعده ومؤيديه.
ضمت القوائم الست في البدء ، 76 مرشحاً ومرشحة ، قبل أن ينسحب خمسة منهم ، ولم يحجز سوى 12 مرشحاً ومرشحة ، مقاعد لهم تحت القبة ، يضاف إلى هؤلاء حزبيّان خرجا عن قرار المقاطعة (أحمد القضاة في الشمال وحازم العوران في الجنوب) ، ناهيك عن بعض الحزبيين القدامي ، الذين انتموا في غالبيتهم إلى اليسار وتحديداً الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، وهناك من هو محسوب على البعث العربي الاشتراكي ومن هو في "أجواء" حركة فتح ، هؤلاء لا يعنينا أمرهم في هذه المقالة المكرسة لتقييم أداء الأحزاب في الانتخابات الأخيرة.
باستثناء عبلة أبو علبة ، التي فازت على متن "الكوتا النسائية" أو المقاعد الإضافية ، فإن جميع مرشحي الأحزاب الفائزين ، وصلوا إلى البرلمان بقوة عشائرهم وحمائلهم ، ولم يكن لخاتم الحزب أو توقيعه ، أثر جدي يذكر في إيصال أي منهم إلى قبة البرلمان ، بعضهم سبق وأن كان عضوا في مجالس نيابية سابقة ، قبل أن تتأسس الأحزاب التي رفع رايتها في الانتخابات الأخيرة ، وهذا يؤكد ما كنا ذهبنا إليه سابقاً بأن هناك نوعين من المرشحين الحزبيين: نوع يحمل خاتم الحزب ويعتمد على صوت عشيرته وحمولته ، ونوع يأتي إلى البرلمان على متن الحزب برنامجاً ونفوذا وجماهيرية ، هؤلاء هم مرشحو الإخوان وجبهة العمل الإسلامي أساساً ، فضلا عن بعض الأحزاب العقائدية الأخرى ، التي بالكاد تنجح في إيصال مرشحاً أو مرشحة على "كوتا النساء والأقليات".
الضربة الكبرى كانت من نصيب حزب التيار الوطني ، الذي خسر ثلاثة أرباع مرشحيه المنافسة ، تلاه حزب الجبهة الأردنية الذي لم يفز أي من مرشحيه المعلنين ، ثم ائتلاف أحزاب الوسط الذي لم يفز سوى مرشح واحد فقط ، بقوة عشيرته ودائرته الانتخابية أولاً وقبل أي شيء آخر ، في حين فاز اثنان من ائتلاف "الوسط ـ الرسالة" ، وبالطريقة ذاتها ، حيث ينتمي الفائزان إلى حزب الوسط الإسلامي ، وخسر المرشح الوحيد لحزب الحياة الرهان على أصوات ذوي الاحتياجات الخاصة.
عبلة أبو عبلة ، يمكن أن تكون وحدها من جاء إلى البرلمان على خلفية حزبية فاعلة ومستمرة ، بيد أن كل سجلها الشخصي الحافل ، ونفوذ التيار السياسي الذي تمثل ، لم يمكنها من الحصول على مقعد خارج نظام الكوتا المعدل في انتخابات 2010 ، وهذا أمر آخر ، ذي دلائل سياسية لا تخطئها العين المجربة والمجردة.
لا يمكننا والحالة كهذه ، أن نتخذ من الانتخابات ونتائجها ، فرصة لقياس حجوم الاحزاب وأوزانها الانتخابية ، فكيف يمكن أن نفرز "الدعم العشائري" عن "الدعم الحزبي" لهذا المرشح أو ذاك ، لكن الشك لا يساورنا أبداً ، في أن الأحزاب ، جميع الأحزاب ، منيت بضربة قوية في الانتخابات الأخيرة ، سواء منها من راهن على مرشحين عشائريين أو من حاول أن يزج بحزبه وبرنامجه وقواعده في العملية الانتخابية.
لنعود بعد ذلك ، إلى "الخلايا النائمة" التي بدأت الأحزاب بالكشف عنها ، ولا أدري ابتداء إن كانت ظاهرة "المرشح السري" ظاهرة قانونية أم لا ، ولا أرى أن أخلاقيات الحملة الانتخابية تنسجم مع إخفاء الهوية السياسية والحزبية للمرشح ، أليس في ذلك "خداع" و"تضليل" لجمهور الناخبين ، ولماذا إخفاء الهوية الحزبية للمرشح أو الخجل بها ، وهل من حق النائب أن يجيّر ثقة ناخبيه إلى حزب سياسي من دون استشارتهم ، ألا تقتضي "الشفافية والنزاهة" الإفصاح عن البرنامج والعضوية الحزبية ومصادر تمويل الحملة وكل الاتفاقات التي سبقتها ورافقتها ، أليست هذه هي قواعد السلوك الأخلاقي للمرشح في أثناء الحملات الانتخابية ؟.
من جهتنا ، لا نعتقد بأن الأرقام المتطايرة التي يجري تداولها حول عدد هذه الكتلة الحزبية أو تلك ، بعد الانتخابات ، تعكس حجم الحزب ونفوذه. سيعاود المجلس السادس عشر انتاج تجربة المجلس الخامس عشر ، لجهة القوائم والكتل النيابية ، وسيكون نشوء هذه الكتل وانحلالها مرتبطاً بحسابات شخصية ، وسيتداخل فيها السياسي بالعائلي بالعشائري ، فالعشيرة ، باتت تنتج نواباً وكتلاً وأحزاباً ، في زمن كثرت في الأحزاب وتراجعت فيه "التجربة الحزبية". (الدستور)