الفيتو «الحادي عشر»: لَجْم التغوّل وفَضْح الأكاذيب

تم نشره الأحد 19 تشرين الثّاني / نوفمبر 2017 01:12 صباحاً
الفيتو «الحادي عشر»: لَجْم التغوّل وفَضْح الأكاذيب
محمد خروب

طريف وباعث على السخرية, التصريح «الغاضب» الذي أدلت به المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة يوم امس عندما «لوّحت» بأن بلادها تنوي «الكفاح من أجل العدالة في سوريا».. بـ»مفردها»، إذا فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل الى موقف «مُشترَك» تجاه المسؤولين عن استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا.

غضب السيدة الاميركية التي أخذت على عاتقها مهمة رئيسية وهي الانتصار لإسرائيل ومنع التنديد بها او ادانة سلوكها ألإجرامي كما أعلنت امام وسائل الاعلام, مطمئنة تل ابيب طالما أنها في موقعها فلن يلحق اي اذى باسرائيل. السبب في غضب نيكي هايلي هو إسقاط روسيا مشروعاً يابانياً حول سوريا في مجلس الأمن، سجّلت فيه موسكو فيتو «ثان» في اقل من اربع وعشرين ساعة, ليصبح الفيتو رقم «11» الذي تستخدمه روسيا لإسقاط مشروعات قرارات غربية وخصوصاً اميركية في شأن الأزمة السورية، كلها تذهب مباشرة او بالتحايل من اجل تجريم النظام السوري وإيجاد ذريعة لشرعنة اي عمل عسكري ضدها, كما فعل الاميركيون وحلفاؤهم في باريس ولندن عندما «استفردوا» بـ»ليبيا» واستندوا الى تفويض جامعة عمرو موسى, من أجل استخدام القوة ضد نظام العقيد معمر القذافي. وتم استصدار القرارين 1970 و1973، ما منح الغزاة والمعتدين فرصة لتدمير ليبيا واشاعة الفوضى والخراب فيها, وكانت خطيئة روسِيَّة موصوفة, بتحمل مسؤوليتها الرئيس الروسي وقتذاك ديمتري ميدفيدف, الذي «أمر» المندوب الروسي «الامتناع» عن التصويت، وهو خطأ لم تُكرِّره موسكو في عهد بوتين, بل كان «المُؤشِّر» على انها استخلصت الدروس والعِبر من مجمل الالاعيب والتحايل التي يواصل الامبرياليون استخدام الأمم المتحدة وخصوصاً مجلس الأمن لتمرير مشروعاتهم الاستعمارية (دع عنك الخطأ السوفياتي في مجلس الأمن إبان الحرب الكورية اوائل خمسينات القرن الماضي, عندما انسحب المندوب السوفياتي غاضباً فاغتنمت العواصم الاستعمارية وواشنطن خصوصاً هذا الانسحاب, لتمرير قرار وشرعنة التدخل في الحرب الكورية بغطاء من الامم المتحدة, بل وضَع الغزاة القبعات الزرقاء على رؤوسهم).

مشروع القرار الاميركي الذي اسقطته موسكو بالفيتو رقم «10» رفضت واشنطن إدخال اي تعديل عليه, بل أصرّت على تصويت مجلس الأمن, رغم علمها بأن موسكو ترفضه ولن تسمح بتمريره، الأمر الذي كانت تنتظره واشنطن من أجل تصعيد اللهجة ضد روسيا, بل ادّعت المندوبة الاميركية لدى مجلس الأمن نيكي هايلي ان بلادها بذلت محاولات لصياغة مشروع قرار «مُشترَك» مع موسكو بشأن كيميائي سوريا، لكن المندوب الروسي تهرّب، ما استدعى تصريحاً غاضباً وغير مألوف من رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف الذي وصف تصريحات هايلي بـ»الكاذبِة», مُشدِّداً على ان الدبلوماسيين الروس لم يرفضوا اي محاولات من زملائهم الاميركيين لبحث مشروعي قراري موسكو وواشنطن، بل ذهب الدبلوماسي الروسي المُخضرَم بعيداً لينحت مصطلحاً جديداً بالقول: ربما نشاهد ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية، إذ لا توجد أخبار مزيفة فحسب بل و»الدبلوماسية المُزيَّفة»، مُستطرِداً... ان الخبراء الروس والاميركيين اجتمعوا لتبادل الآراء بشأن الموضوع, إلاّ ان الطرف الاميركي استخدم عبارات «مُبتذَلة» للتظاهر انه يُراعي الاهتمام الروسي.

تدهور اضافي طرأ على علاقات ثنائية متدهورة اصلاً، ثم جاء مشروع القرار الياباني ليلاقي المصير ذاته الذي لاقاه المشروع الاميركي, بعد إفشال واشنطن لاقتراح المندوب البوليفي التصويت على مشروع القرار الروسي ما حتّم بالتالي على موسكو استخدام الفيتو الحادي عشر. وهو ما أطار صواب المندوبة الاميركية التي ما تزال اضافة لرهط المؤيدين لمواقفها في مجلس الأمن وبخاصة لندن وباريس, يُصِرّون على تمرير تقرير لجنة التحقيق في حادث خان شيخون في الرابع من نيسان الماضي, والتي تُحمِّل فيه هذه اللجنة (المُسيَّسة وغير المُحايِدة كما يجب التنويه)، المسؤولية للجيش السوري علماً انها لم تزُر الموقع الذي زعم الاميركيون ان الطائرات التي قصفت البلدة انطلَقت منه وهو مطار الشعيرات, رغم الدعوات المفتوحة التي وجّهتها لها دمشق من أجل التحقّق من صحة الادعاءات الاميركية, بل اكتفت – اللجنة – بالسماع لشهود في تركيا دون ان تُلبي الدعوات السورية الرسمية.

يطفو على سطح المشهد إذاً... تلويح المندوبة الاميركية بـ»الكفاح من أجل العدالة» في سوريا خارج مجلس الأمن, وهو تلويح يثير الضحك والسخرية، لمندوبة دولة تزعم انها تقود «أخيار العالم المتنوِّر» لم تكن العدالة يوماً جزءاً من قاموسها السياسي والدبلوماسي والاخلاقي، بل هي لا تضع سوى مصالحها الأنانية هادياً لكل سلوكها ومقارباتها, حتى في مؤسساتها التي تُغلِّف نشاطاتها التجسسية والاستخبارية بشعارات المساعدة والاغاثة وغيرها من الترّهات، ناهيك عما تقارِفه من ارتكابات جسيمة بحقوق الشعوب وثرواتها ومصالحها, عندما تعمل على تخريب اقتصاداتها وتفرض عليها وصفات اقتصادية او إصلاحية مُزيَّفة وغيرها مما يبرع خبراؤها في اختراعها والترويج لها, استناداً الى ما كرسوه في غزواتهم الاعلامية عن «الحلم الاميركي» والسوق الحرة والتنافسية والعولمة, التي راحوا ينفضون ايديهم منها تدريجياً، ناهيك عن تدخلاتهم العسكرية وغزواتهم وعربدتهم ومؤامراتهم ضد كل من يجرؤ على معارضتهم او انتقادهم او حتى مجرد ابداء رأي في سياساتهم العدوانية.. وليس سوريا التي يريدون «الكفاح من أجل العدالة فيها.. مُنفردين»، سوى الدليل الصارخ على ما يرتكبه الاميركيون من جرائم على اراضيها وتعاونهم مع الارهابيين ودعمهم لهم, رغم افتضاح أمرهم وانكشاف مراميهم، لكنهم من أسف... لا يأبهون. مُتذرِّعين على الدوام بأُكذوبة «الإستثناء الأميركي»...المُزيَّف.

الراي 2017-11-19



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات