الطريق المفخخ إلى «صفقة القرن»

تم نشره الإثنين 20 تشرين الثّاني / نوفمبر 2017 01:01 صباحاً
الطريق المفخخ إلى «صفقة القرن»
عريب الرنتاوي

قرار واشنطن إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، يكشف مقدماً فحوى ومضمون مبادرة ترامب لحل أزمة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ويرمي إلى وضع الفلسطينيين على سكة واحدة فقط، لا يمكنهم الخروج عنها من دون المقامرة بمواجهة العزلة والحصار من قبل واشنطن وحلفائها ... بل ويفرض سقوفاً خفيضة لحركة النضال السلمي والحقوقي التي تخوضها السلطة (وإن بتردد وتعثر حتى الآن)، إذ من غير المقبول أمريكياً، وفي عصر ترامب على وجه التحديد، أن تتوجه “الضحية” إلى العدالة الدولية لملاحقة مجرمي الحرب وضمان حصولهم على القصاص العادل...على الضحية كما يرى ترامب وفريقه، أن تنصاع لقدرها راضية مرضية، ومن دون حراك.
القرار يضع السلطة والفلسطينيين عموماً، أمام خيارات صعبة ... الفلسطينيون لم يحصلوا على الكثير من صداقتهم لواشنطن، ولكنهم يعرفون تمام المعرفة أن عداوتهم لها، ستكون مكلفة للغاية، سيما في مناخات انفلات اليمين الإسرائيلي والأمريكي من عقاله، وفي مناخات التهافت العربي للتطبيع مع إسرائيل والهرولة للتعاون معها، من دون الفلسطينيين، وغالباً على حسابهم.
ردود الأفعال العربية هذه المرة، تراوح ما بين التهافت والتواطؤ ... صمت مريب خيّم على العواصم العربية، إذ بدل التصدي للقرار الأمريكي العدائي شكلاً ومضموناً للشعب الفلسطيني وطموحاته العادلة والمشروعة، توجه بعضهم بـ “النصح” إليهم بعدم وقف الاتصالات مع الجانب الأمريكي، وبادر بعضهم الآخر إلى وضع القيادة الفلسطينية أمام أحد خيارين: الاستسلام لمبادرة ترامب قبل أن يعرف مضمونها وعناصرها، أو مواجهة التنحي والتنحية؟!
لا قيمة لكل التصريحات الأمريكية التي تَعد بجعل “إغلاق الممثلية” أمراً مؤقتاً، أو وضعها في سياق “غير عدائي” مع المنظمة والسلطة، ولا معنى لكل التأكيدات الصادرة عن واشنطن، بأن القرار لن يؤثر على مساعي ترامب وفريقه للوصول إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية ... كل هذه التصريحات والتأكيدات، إنما تندرج في سياق ذر الرماد في العيون، وتجهد في إخفاء التزام هذه الإدارة بمواقف اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، متجاوزة بذلك، ما اعتادت الإدارات السابقة اتخاذه من سياسات تحابي إسرائيل وتنحاز لمصالحها.
القرار الأمريكي، لا يُقرأ في واشنطن، بل في تل أبيب، حيث رأت الترويكا اليمينية الحاكمة فيه، إجازة قتل للفلسطينيين دون خشية من حساب أو عقاب، وتصريح مرور لسياسات التوسع الاستيطاني و”شرعنة” البؤر الاستيطاني، والمضي قدماً في حربها على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعه، ما يجعل “التسوية المتعذرة” من قبل، “مستحيلة” من بعد ... أما تبرير واشنطن للقرار بأنه عقاب للفلسطينيين على رفضهم الانخراط في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، فهو “عذر أقبح من ذنب”، يستبطن قدراً من الزيف والنفاق بصورة مذهلة، فواشنطن التي رعت المفاوضات لسنوات وعقود، تعرف على نحو يقيني من هو المسؤول عن تعطيل مسار التفاوض وحل الدولتين.
مؤسفٌ أن واشنطن التي تفقد زعامتها المتفردة للعالم، وتواجه تحدي ولادة نظام دولي متعدد الأقطاب، وتقف عاجزة عن مواجهة تحديات وتهديدات تصدر عن دول صغيرة نسبياً، ما زلت تحتفظ بكل هذه السطوة والتغوّل على النظام العربي، الذي يبدو اليوم منساقاً لنظرية “99.99 بالمائة من أوراق الحل بيد أمريكا” كما لم يحدث من قبل ... مؤسفٌ أن هذا الاستتباع يصدر طواعية عن النظام العربي، لحسابات أبعد ما تكون عن مصالح الأمة وتطلعات شعوبها.
في مثل هذه الظروف والمناخات، شديدة الإحباط، لا يتعين على الفلسطينيين انتظار الكثير من أعمدة النظام العربي الرسمي، وعليهم اليوم أكثر من وقت مضى، الاستمساك بنظرية “ما حك جلدك مثل ظفرك”، فرياح “التصفية” السموم لقضيتهم الوطنية تهب من غير اتجاه، ولحظة الحقيقة والاستحقاق تدنو بأسرع مما يظن كثيرون، وقد آن أوان إعمال “التفكير من خارج الصندوق”، والشروع من دون إبطاء في ترميم الشقوق التي تهدد البيت الفلسطيني الداخلي بالانهيار، وبناء التوافقات العريضة والعميقة، حول خطة استنهاض وطني شاملة، مستلهمة لحقيقة أن مطلب الحرية والاستقلال ما زال بعيد المنال، وأن الدولة ليست على “مرمى حجر”، وأن مسيرة الشعب الفلسطيني تدخل مرحلة استراتيجية جديدة، لم تعد معها الأدوات والوسائل والأطر القديمة، قمينة بمواجهة الأخطار والتحديات والمهام الجديدة.

الدستور 2017-11-20



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات