ضليل واستخفاف

من لم يشملهم الزهايمر بكل فروعه السياسية والثقافية والتربوية لا بد انهم يتذكرون تلك الحكاية عن الجمل والقط ، حيث لا يباع الجمل الا مع القط كي يكون الثمن الباهظ موزعا بينهما ، ان التجارة السياسية التي تسمى استراتيجيات والتي تحاول امريكا فرضها على العالم هي معروضات من هذا النوع واحيانا يكون جُحا الامريكي بطبيعته البيضاء هو المرجعية سواء من خلال زرع المسامير في الجدران كي يعود اليها متى شاء او من خلال الاحجية التي لم تستطع زوجته حلها حين ادعت بان القط هو الذي اكل رطل اللحم مما اضطره الى احضار الميزان فكان وزن القط رطلا اذن اين هو اللحم؟ وان كان هذا الرطل هو وزن اللحم فأين هو القط ، والان بعد ان كبرنا وشاب الشعر يريدون منا ان نعود الى ما قبل الابتدائية ونصدق كل ما يسوّق من خرافات سياسية تحت شتى العناوين.
فالعراق مثلا من تجليات هذه الاحجية الحجويّة فاذا كان ما نرى هو رطل التحرير والديمقراطية فأين هو وزن الاحتلال؟ لن نمضي مع هذه التداعيات لاننا قد لا نعود منها الا بأحجيات اخرى يتعذر حلها لكن اللحظة الراهنة تختزل ما يمكن تسميته استراتيجية الاستخفاف وعدم اقامة اي وزن لعقولنا وذاكرتنا ووجداننا الوطني. واذا صح ان عشرين طائرة اف 35 هي ثمن تجميد الاستيطان ثلاثة اشهر فان كل شيء يصبح بحاجة الى اعادة نظر بدءا من الرياضيات والحواسيب حتى ما تعلمناه منذ الابتدائية.
ونتنياهو الذي رفع شعار انا استوطن اذن انا موجود ليس ديكارت عصرنا بقدر ما هو اسخريوطي هذا العصر وربما كل العصور لانه ادرك للحظة بان كل ما يطلبه يلبّى وان سمسم الامريكي سوف يفتح كل البوابات المغلقة امامه اذ ما ناداه.
هكذا اصابوا عدة صقور وليس عصافير فقط بحصاة واحدة فعزلوا الاستيطان عن الاحتلال رغم انه توأمه وفي اسوأ ا لاحوال هو ابنه البكر فلم يعد الكلام عن الاحتلال اصل البلاء وجذر الداء بقدر ما اصبح من نتائجه.. وهكذا ايضا اصبح الاستيطان نمط انتاج صهيوني جديد فهو اضافة الى كونه قائما ومستمرا حتى لو جمّد بعض الوقت على طريقة ذر الرماد في العيون اصبح وسيلة للكسب والحصول على الهدايا الامريكية الثمينة والتي قد تصل الى بلايين الدولارات ويبدو ان ما قاله التوسير الفرسي صاحب الكتاب الشهير في نقد رأس المال يجد له الآن مناسبة نموذجية فقد قال الرجل ان افضل وسيلة للتهرب من الاجابات الصحيحة هي صياغة اسئلة خاطئة وغير منطقية وصياغة سؤال الاستيطان خطأ مدروس بعناية احتلالية لهذا فهو يتحول الى حلقة ضائعة.
اما مصطلح التجميد فلا ندري من هو تاجر اللحم المجفف الذي اخترعه ما دام الاحتلال يملك مايكرويف جاهز لتسخين ما هو مجمد وفي اي وقت يشاء.
العرب الآن معتدى عليهم ثلاث مرات ، المرة الاولى في احتلال ارض هي الاغلى والابهى بمقدساتها والمرة الثانية في التضليل الذي تمارسه مصطلحات ينحتها فقهاء السوق السياسية السوداء والمرة الثالثة في هذا الاستحقاق الذي تجاوز كل حد. (الدستور)