سلمى تَشُم الزهور

تم نشره الجمعة 24 تشرين الثّاني / نوفمبر 2017 01:00 صباحاً
سلمى تَشُم الزهور
احمد جميل عزم

بدعوة من منتدى الروّاد الكبار، في عمّان، تم هذا الأسبوع تكريم الدكتورة سلمى الخضرا الجيوسي، بمشاركة حياة حويك عطية، ومشاركتي، وبتقديم مميز من هيفاء البشير، والروائية والقاصة سحر ملص. 

عندما دخلت هيفاء البشير العام 1946 معهد دار المعلمات في القدس، وهي في سن الخامسة عشرة، كانت سلمى تركت التعليم هناك، ولكنّ البشير، سمعت وشاهدت أثر سلمى في الطالبات؛ يتذكرن ويُقلّدن ما ترويه من أقوال وشعر، ثم سمعت في الولايات المتحدة، عن دور سلمى "العربية حتى العظم" في نقل الأدب العربي للغة الانجليزية، ما أعطى العرب هناك ما يقدمونه للآخرين دليل إبداع أمتهم.  

عندما كانت حياة مراهقَةً في الرابعة عشرة من عمرها، في لبنان، ابنة نَحاتٍ مبدع، محبّ للأدب، وقَعَت في حب الشعر، وأرادت اقتفاء خطى الشاعرة، مي زيادة. ضحك الأستاذ، وقال ولكن مي "انتهت مجنونة". فتعود مرتاعةً تسأل أمها، فتخبرها "اتهموها بالجنون ليرثوها". وتبدأ حياة بحثاً تجمع فيه أسماء الكاتبات العربيات، ولا سيما الشاعرات، "اللاتي لم يصبن بالجنون"، لتتحدى أستاذها، وصار اسم كل شاعرة جديدة، مغنماً، وبالتالي عندما سمعت في برنامج المذيعة عائشة التيجاني عن شاعرتين فلسطينيتين، مرة واحدة؛ فدوى طوقان وسلمى الخضرا الجيوسي، بدا ذلك مكسباً كبيراً، تبعه البحث عن كتبهما، وتصبح حياة كاتبة وإعلامية مرموقة تعرف سلمى شخصياً.  

سألتُ سلمى، عن أقدم ذكرياتها، فكانت في نهاية عشرينيات القرن الفائت، وهي تشم الزهور ويدها خلف ظهرها وهي في سن العامين، في منزلهم في صفد. ثم وهي تذهب مع العائلة في رحلات تخييم، مع والدتها اللبنانية الأصل، من أم تركيّة. حيث التقى والد سلمى مع عائلة والدتها حين كان مقاتلا مع الأمير فيصل في زمن الثورة العربية الكبرى، وتم طلب العروس في مجلس الأمير في دمشق. توضّح هذه التفاصيل كيف نشأت سلمى، المولودة في السلط، مُنفتحةً على الجغرافيا والأحداث والأصول والمنابت، فطوّرت مبكراً إحساساً بعدم الغربة مع العالم. 

خالط هذا الانفتاح الشعور بالتهديد والخوف من الفقد الذي يتضمنه المشروع الصهيوني؛ فقد كان والد سلمى، صبحي الخضرا، من رموز الحركة الوطنية الفلسطينية. تذهب الأسرة من عكا لزيارته في المعتقل البريطاني في القدس. ثم يَلفُت الصغيرة سلمى، أنّ مسجد الجزار في عكّا، المجاور لمدرستها يقوم بالأذان للصلاة في غير الموعد أحياناً، فتسأل المعلمة عن السبب، فتخبرها: للإبلاغ أنّ شخصاً "مهماً" تُوفّي. غرست الإجابة قلقاً في ذهن الصغيرة، فما إن تسمع مثل هذا الأذان، حتى يشتعل خوفها على والدها، الذي اشتهر حينها محامياً في قضايا الأراضي التي يستولي عليها الصهاينة. فتتسلل من المدرسة، وتشاهده من شباك مكتبه القريب، وتطمئن وتعود للصف. وفي مرة ضبطها والدها تراقبه، ولتبرر الهرب، ادّعت الجوع. فأرسل من يُحضر الطعام، فتجلس معه ومع صديقه المحامي الآخر، أحمد الشقيري، الذي سيصبح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسسها. 

هذا الرقي الأرستقراطي سيواجهه خوف من عدو يريد محو كل ذلك. وهو ما تطور ليتسع ويكبر عن حدود فلسطين ليصبح خوفاً على هوية وتراث وفكر عربي، ويتحول لمدخل لمشروع سلمى الكبير.  

أنهت الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، مع نهايات الحرب العالمية الثانية، وتزوجت الدبلوماسي الأردني برهان جيوسي، فانتقلت بين دول عدة أوروبية وعربية. تصبح كاتبة وشاعرة، ثم تنهي الدكتوراة في لندن، لينمو لديها تدريجياً شعورٌ بمشكلة لا تتعلق بضعف إسهام العرب في الأدب والفكر العالميين، بقدر الضعف في نقل هذا المحتوى، للعالم. فعدا نشر كتبها وأبحاثها، ونظرياتها قبل عقد الثمانينيات، من قبل أكبر دور النشر العالمية، أنشأت مؤسسة "بروتا" لترجمة الأدب العربي للإنجليزية، فغطت تقريباً كل الدول العربية، وأسست مطلع التسعينيات، "رابطة الشرق والغرب" للأبحاث والدراسات عن التاريخ والفكر العربيين، لتقدم للمكتبة العالمية عشرات المجلدات، مؤلفة ومحررة ومترجمة، عن الإبداع العربي. 

إنسانة رفضت ادعاء أن العرب بلا قيمة وأهمية. 

إنسانة تلمع عيناها عندما تسمع فكرة ذكية وعبارة جميلة، وتبكي إذا شعرت بالتعثر العربي. 

عاشت الرقي في وطنها والشتات والهجرة. 

آمنت بالعروبة والعرب حتى وإن أبكاها تعثرهم.

الغد 2017-11-24



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات