نخب عاطلة عن ادوارها

منذ ارتهنت النخب العربية لما يتخطى دورها التاريخي واصبحت تعبيرا مباشرا عن مصالح فئوية او معروضة للايجار والبيع والاعارة احيانا اصبح الناس في مهب اية عواصف ولم يعد هناك اية بوصلة سليمة يمكن الاركان اليها ، ورغم استخدام المثقفين العرب لمقولات غرامشي الاشهر من صاحبها حول المثقف العضوي وعدم دمج المثقفين في سلة واحدة الا ان هناك من القواسم المشتركة ما يغري اي مراقب بان يتعرف السلالة الدجاجية الواحدة لكل البيض المتراكم في السلة.
ففي كل العالم ثمة سن رشد للمثقف او للانتلجنسيا بشكل اعم هو تخطيه لما هو شخصي وضيق وايثاره لمصالح بلاده وشعبه بدلا من الإثرة العمياء التي تنتهي الى انانية مجنونة لكن في عالمنا العربي العجيب في كل ظواهره وبواطنه ايضا تحول سن الرشد لدى المثقف الى اعتذار عن كل ما فعله او قدمه ولم يكن لمصلحته اولا وقد سمعت ذات يوم من مثقف عربي استدار مائة وثمانين درجة في موقفه السياسي عبارة لا تُنسى وهي انه استيقظ من غيبوبة الحلم وذهبت السكرة كما يقال بعد ان جاءت الفكرة والحقيقة ان ما جاء لصاحبنا ليس الفكرة بل السكرة واختلط عليه الامر بسبب حالة العمى التي اصابته بعد ان بلغ ارذل العمر وارذل الفكر معا.
ولو كانت النخب اصيلة في مواقفها ومواقعها لتغير المشهد القومي كله لكن الادلاء خانوا ذويهم بعد ان فرغوا من خيانة وعيهم وانفسهم واصبح لدى هذه النخب شيفرة ليست عصية على التفكيك وهي ان موعظة هلك سعيد أُنْجُ سعد بجلدك هي المفتاح السحري ولا قيمة لثقافة او معرفة اذا لم تخدم حاملها قبل سواه ونحن في غنى عن التذكير بالمصائر المأساوية لهؤلاء العميان اذ سرعان ما اكتشفوا ان النار التهمت سعيدا بعد اخيه وان الثور الابيض في ثقافتهم الفولكلورية تحول الى امثولة سوداء.
نعرف ان الفهلوة ومسح الجوخ ولعق لعاب الكلاب قديم قدم الانسان ذاته ما دامت هناك غرائز وأفواه فاغرة لكن الفارق بين الآدمي وسواه من الكائنات التي تتشكل بوصلتها من غرائزها فقط هو ان هذا الآدمي امتاز بمناقبية اخلاقية جعلته يخسر حياته احيانا ليعيش الآخرون فهو الذي عرف معنى الافتداء والايثار لانه ادرك بفضل تاريخه البشري الذي لا يوجد ما يماثله لدى الحيوان انه قطرة في محيط وانه لن يكون سعيدا بين اشقياء ، او معافى في مجتمع يفتك به الوباء.. وقد يبدو هذا التوصيف قاسيا للنخب لان هناك استثناءات تستحق ان ننحني لها ونعترف لها بالفضل لكنها شحيحة الى الحد الذي يكرس القاعدة.. فالاختلاف الآن لم يعد حول مفهوم النخبة او المثقف بل هو على سن الرشد الذي يبلغه هؤلاء.
فهل هو كما قال صاحبنا التائب عن وعيه القديم عبادة الذات ووضع عصابة حول العينين كالبغال كي لا يرى احدا غير ظله؟
ام ان سن الرشد الحقيقي هو المجازفة بالغرق لانقاذ من القي بهم الى المحيط ثم قيل لهم اياكم ان تبتلوا بالماء او الدم؟ (الدستور)