العرب : اللفظة والمفهوم

تم نشره السبت 27 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 06:55 صباحاً
العرب : اللفظة والمفهوم
راكان المجالي

المؤرّخ العراقي الشهير (جواد علي) ، رحمه الله ، يعتبره البعض من أجرأ النقاد وأغزرهم انتاجا ، الذين إقتحموا ميدان تاريخ العرب في الجاهلية. ولعلّ كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) لا يزال يُعتبر واحدأ من أشمل الكتب في هذا السياق ، وإن كان الموضوع بحدّ ذاته بحاجة إلى عمل أجيال معرفية من العرب ، لتنقية تاريخهم السابق للإسلام ، مما علق به من خرافات واساطير.

وفي هذا السياق ، آثر الدكتور جواد علي ، البدء بتحديد تاريخي ، لمفهوم لفظة (العرب) ، ومعناها عند العرب أنفسهم ، وإختلافهم فيها وعليها ، وكذلك دلالتها ومعناها عند غيرهم من الأمم والشعوب:

فهو يقول: إنّ لفظة "العرب" تطلق اليوم على سكّان بلاد واسعة ، يكتبون ويؤلفون وينشرون ويخاطبون بالإذاعة و "التلفزيون" بلغة واحدة ، نقول لها لغة العرب أو لغة الضاد أو لغة القرآن الكريم. وإن تكلموا وتفاهموا وتعاملوا فيما بينهم وفي حياتهم اليومية أدّوا ذلك بلهجات محلية متبابنة. ذلك لأن تلك اللهجات إذا أرجعت رجعت إلى أصل واحد هو اللسان العربي المذكور ، وإلى ألسنة قبائل عربية قديمة ، وإلى ألفاظ أعجمية دخلت تلك اللهجات بعوامل عديدة .

و نحن إذ نطلق لفظة "عرب" و "العرب" على سكان البلاد العربية ، فإنما نطلقها إطلاقاً عاماً على البدو وعلى الحضر ، لا نفرق بين طائفة من الطائفتين ، ولا بين بلد وبلد. نطلقها بمعنى (جنسية وقومية وعلم على رسّْ له خصائص وسمات وعلامات وتفكر) يربط الحاضرين بالماضين كما يربط الماضي بالحاضر.

و اللفظة بهذا المعنى وبهذا الشكل ، مصطلح يرجع إلى ما قبل الإسلام ، ولكنه لا يرتقي تاريخياً إلى ما قبل الميلاد(،) ، بل لا يرتقي عن الإسلام إلى عهد جدا بعيد. فأنت إذا رجعت إلى القرآن الكريم ، والى حديث رسول الله ، وجدت للفظة مدلولاً يختلف عن مدلولها في النصوص الجاهلية التيُ عثر عليها حتى الآن ، أو في التوراة والإنجيل والتلمود ، وبقية كتب اليهود والنصارى ، وما بقي من مؤلفات يونانية ولاتينية تعود إلى ما قبل الإسلام. فهي في هذه (أعراب أهل وبر) ، أي طائفة خاصة من العرب. أما في القرآن الكريم و في الحديث النبوي ، وفي الشعر المعاصر للرسول ، فإنها (علَم على الطائفتين واسم للسان الذي نزل به القرآن الكريم) ، وهي لسان أهل الحضر ولسان أهل الوبر على حد سواء. وجاء في القرآن: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشرّ. لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) ، (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمًيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصًّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمًيّّ وَعَرَبًيّّ قُلْ هُوَ لًلَّذًينَ آمَنُوا هُدًى وَشًفَاءّ وَالَّذًينَ لا يُؤْمًنُونَ فًي آذَانًهًمْ وَقْرّ وَهُوَ عَلَيْهًمْ عَمًى أُولَئًكَ يُنَادَوْنَ مًنْ مَكَانْ بعيد .(

أما عند علماء العربية ، فإنّ الآراء تختلف في تحديد معنى لفظة "عرب" ، وهي موجودة ومسطورة في كتب اللغة وفي المعجمات. ولكنها كلها من نوع البحوث المألوفة المبنية على أقوال وآراء لا تعتمد على نصوص جاهلية ولا على دراسات عميقة مقارنة ، وضعت على الحدس والتخمين ، وبعد حيرة شديدة في إيجاد تعليل مقبول ، فقالوا ما قالوه مما هو مذكور في الموارد اللغوية المعروفة ، وفي طليعتها المعجمات وكتب الأدب. وكل آرائهم في تفسير اللفظة وفي محاولة أيجاد أصلها ومعانيها ، هو إسلامي ، دوّن في الإسلام.

وترى علماء العربية حيارى في تعيين أول من نطق بالعربية ، فبينما يذهبون إلى ان "يعرب" كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي ، ثم يقولون: ولذلك عرف هذا اللسان باللسان العربي ، تراهم يجعلون العربية لسان أهل الجنة ولسان آدم ، أي انهم يرجعون عهده إلى مبدأ الخليقة ، وقد كانت الخليقة قبل خلق "يعرب" بالطبع بزمان طويل. ثم تراهم يقولون: أول من تكلم بالعربية ونَسًي لسان أبيه إسماعيل. أُلهم إسماعيل هذا اللسان ، العربي إلهاماً. وكان أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة ، وهو ابن أربع عشرة سنة. و إسماعيل هو جد العرب المستعربة على حد قولهم.

والقائلون إن "يعرب" هو أول من أعرب في لسانه ، وانه أول من نطق بالعربية ، وان العربية إنما سميت به ، فأخذت من اسمه ، إنما هم القحطانيون. وهم يأتون بمختلف الروايات والأقوال لإثبات أن القحطانيين هم أول العرب ، وأن لسانهم هو لسان العرب الأول ، ومنهم تعلم العدنانيون العربية ، ويأتون بشاهد من شعر "حسان بن ثابت" على إثبات ذلك ، يقولون: إنه قاله ، وان قوله هذا هو برهان على إن منشأ اللغة العربية هو من اليمن. يقولون إنه قال:

ـ تعلمتمُ من منطق الشيخ يعرب ھ أبينا ، فصرتم معربين ذوي نفر ـ

ـ و كنتم قديما ما بكم غير عجمة ھ كلام ، و كنتم كالبهائم في القفر ـ

ُولم يكن يخطر ببال هؤلاء إن سكان اليمن قبل الإسلام كانوا ينطقون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم(،) ، وأن من سيأتى بعدهم سيكتشف سر "المسنَد"(،) ، ويتمكن بذلك من قراءة نصوصه والتعرف إلأ لغته ، وأن عربيته هي عربية تختلف عن هذه العربية التي ندوّن بها ، حتى ذهب الأمر بعلماء العربية في الإسلام بالطبع إلى إخراج الحميرية واللهجات العربية الجنوبية الأخرى من العربية ، وقصر العربية على العربية التي نزل بها القرآن الكريم ، وعلى ما تفرع منها من لهجات. وهو رأي يمثل رأي العدنانيين خصوم القحطانيين.ُوالقائلون إن يعرب هو جدّ العربية وموجدها ، عاجزون عن التوفيق بن رأيهم هذا ورأيهم في إن العربية قديمة قدم العالم ، وأنها لغة آدم في الجنة ، ثم هم عاجزون أيضاً عن بيان كيف كان لسان أجداد "يعرب" ، وكيف اهتدى "يعرب" إلى استنباطه لهذه اللغة العربية ، وكيف تمكن من إيجاده وحده لها من غير مؤازر ولا معين؟ إلى غير ذلك من أسئلة لم يكن يفطن لها أهل الأخبار في ذلك الزمن. وللإخباريين بعد كلام في هذا الموضوع طويل ، الأشهر منه القولان المذكوران ، ووفق البعض بينهما بأن قالوا: إن "يعرب" أول من نطق بمنطق العربية ، و إسماعيل هو أول من نطق بالعربية الخالصة الحجازية التي أنزل عليها القرآن.ُويواصل د. علي استعراض معنى"العرب" ، وفق مصادر أخرى ، بأسلوب علمي لا يركن إلى أحاديث الإخباريين العرب ورواياتهم العصبية والمتناقضة في كثير منها. وهو ما سنحاول إستعراضه في إستراحات قادمة ، بعيداً عن السياسة ما إستطعنا إلى ذلك سبيلاً... (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات