سباق المسافات القصيرة على المناصب

لو أن بضعة ايام تفصل بين انتخاب رئيس مجلس النواب والانتخابات لبقية المناصب لربما أمكن إنضاج توافق بين الجميع من خلال آلية معقولة وعادلة، لكن الكتل دوهمت وهي بالكاد تشكلت بالانتخابات لمناصب المكتب الدائم وعضويته تشمل الى جانب الرئيس النائب الأول للرئيس والنائب الثاني واثنين من المساعدين.
اليوم صباحا بعد الافتتاح الرسمي وخطاب العرش تبدأ أعمال المجلس في الثانية ظهرا لانتخاب رئيس المجلس والمكتب الدائم على ان يتلو ذلك بعد بضعة ايام تشكيل لجان المجلس وانتخاب رؤسائها ومقرريها، لكن في العادة تتم الصفقات على جميع المناصب معا، أي على اعضاء المكتب الدائم واللجان، وأكتب الآن (عصر أمس) بينما المركب على ذروة الأمواج المتلاطمة للمقايضات ومحاولة ابرام الصفقات الثنائية أو المتعددة الظاهرة والتحتية.
في هذا الخضم ظهر طرح يحاول ان يصنع توافقا عاما يوفر وقت المجلس ويحقق العدالة ويضمن الكفاءة والتخصص لقيادة اللجان، وتقوم الصيغة على وضع اطار اساسي لتوزيع المناصب على الكتل وفق حجومها واهمية المناصب كأن يقال مثلا ان الكتلة التي تحصل على منصب النائب الأول تأخذ منصب رئيس لجنة ومقرر لجنة أخرى في المقابل فإن الكتلة الكبيرة التي تتنازل عن مناصب في المكتب الدائم تأخذ رئاسة ثلاث لجان ومقرري ثلاث لجان أخرى، وهكذا تدرجا لمختلف المواقع مع مراعاة حصّة عادلة للمستقلين، وقد تمّ بالفعل وضع هذا الاطار العام بموافقة بعض الكتل وكان العمل جاريا لاقناع بقية الكتل، لكن البعض كان يعمل على جبهة اخرى من اجل صفقة جانبية تشمل بعض الكتل وتشكل أغلبية تستأثر بجميع المناصب على حساب بقية المجلس.
أستطيع أن أخمن أن هذا التوجه يستحضر ما حدث في البرلمان السابق بالتحالف بين كتلتين وربما بنفس ثأري معاكس، لكن تركيبة المجلس هذه المرّة تختلف جذريا والكتل ما تزال طريّة لم تستقر والناس لم تتعرف على بعضها ولا يوجد أي اساس سياسي للتحالف بين هذه الكتلة أو تلك بالذات والفوز بالمناصب سوى الرغبة البدائية بالحصول على الغنائم، مع ان التفاهم داخل الكتلة الواحدة على توزيع المناصب ما يزال هشّا وغير مضمون.
مبدئيا وديمقراطيا لا بأس من اتفاق اي كتل على اية مناصب، لكن بقية الكتل والمستقلين سيحاولون خرق الاتفاق، وليس بعيدا ان يجري كل طرف صفقات مزدوجة لنفسه، سوف تكون في النهاية فوضى عامّة فتشتغل كل كتلة، بل كل شخص لنفسه من تحت الطاولة وإذ يحصل ذلك بالنسبة للمكتب الدائم سيمتدّ الأمر الى اللجان، ولا يمكن التكهن بأي نتائج وقد يكون ذلك على حساب معايير الكفاءة والتخصص وسيخلق حزازات وانقسامات بدائية غير مبدئية تترجم الى مناكفات دائمة.
المصلحة العامّة في هذه الدورة الأولى ان يجري توافق عقلاني على توزيع المسؤوليات ويتفرغ المجلس بارادة مشتركة للإصلاح، فكل آليات عمل المجلس تحتاج الى التغيير والتحديث، وهناك قناعة عامّة بذلك يتحدث بها أيضا المرشح الأوفر حظا لمنصب الرئيس فيصل الفايز. على كل حال سنرى اليوم ماذا سيحدث . (الغد)