إعادة تنظيم الجدل الاجتماعي والسياسي

تم نشره الأربعاء 13 كانون الأوّل / ديسمبر 2017 01:05 صباحاً
إعادة تنظيم الجدل الاجتماعي والسياسي
إبراهيم غرايبة

كانت السلطات تملك على نحو واضح أعداءها وأصدقاءها، وبناء على هذا السؤال الأساسي (من العدو ومن الصديق؟) تشكلت الجيوش والأجهزة الأمنية والاستخبارية والمؤسسات والأفكار والثقافة والإعلام والتعليم والفنون والموسيقى والدراما، بل والعبادة والدين أيضاً! ماذا تفعل الدول والمجتمعات اليوم وهي لا تدرك على نحو واضح ومحدد العدو والصديق، أو حين يظهر أن العداء لم يكن في الواقع إلا بين السلطات والمجتمعات!
ماذا تفعل الدول والمجتمعات بعدما فقدت العمليات التنظيمية المؤطرة للعلاقات والقوى والحكم والمعارضة والتوجيه والتعليم والتوظيف جدواها ومعناها؟ الحال أن ما حدث ويحدث اليوم في الصراعات الداخلية هو عجز القلعة الحاكمة عن مواصلة إدارة المدن والمواطنين على النحو الذي استمر لأكثر من خمسة آلاف سنة، والواقع أن القلعة لم تعد قائمة، أو بوصف أدق، فقدت كل أدوات السيطرة والتنظيم التي كانت تملكها؛ وسائل الإعلام والمعابد والمدارس والجامعات والأسواق، لم يعد لديها سوى الأجهزة الأمنية، لكنها مؤسسات لم تكن على مدى التاريخ والجغرافيا قادرة على البطش والقمع من غير إسناد المؤسسات والموارد الناعمة، وغالباً فقد كانت للردع والتنظيم أكثر مما هي للاشتباك الشامل والمواجهة مع جميع المواطنين، كان يكفي القلعة أن تلاحق المعارضة، ويجب أن تكون هناك معارضة في كل الدول والأنظمة السياسية، تلك ضرورة للحكم لتسلك المجتمعات والمدن وجموع الناس في طريق واضح محدد كأنها في طابور مدرسي أو عسكري، لقد كانت كذلك بالفعل في نظام حياتها وعباداتها وما يصل إليها من معرفة وأخبار وما تتعلمه وتقرأه وفي أسلوب حياتها وبرنامجها اليومي من الاستيقاظ إلى النوم.
لكن الأزمة لا تخص القلعة وحدها، بل امتدت إلى الأرباض التابعة والمحيطة، فهي أيضاً لم تعد تعرف كيف تدير علاقتها بالسلطة والأسواق وكيف تدير حياتها وأولوياتها، بل وكيف تفكر وتنظر إلى الأمور، فالمجتمعات اليوم تشبه قصة فتاة أبصرت بعد فترة طويلة من عجزها عن الإبصار، تقول في مقابلة صحفية إنها لا تستطيع أن تعمل أو تمشي أو تتناول شيئاً إلا إذا أغمضت عينيها وتحسست طريقها بيدها أو بعصاها، بل إنها صارت تشعر بخوف كبير عندما تسير في الشارع، وكانت تشعر بحرية وأمان أكبر قبل أن تبصر!
لم تكن السلطة سوى غطاء لتحالف وتشكلات طبقية واقتصادية ومجموعة من المصالح والامتيازات، وفي المواجهة أو معركة الوعي التي أطلقتها الشبكية وجدت المجتمعات نفسها في مواجهة غير متكافئة مثل فخّ محكم مع الشركات والبنوك، وأن موارد حاجاتها وأولوياتها الأساسية في التعليم والصحة والاتصالات والسلع والخدمات تديرها شركات وبنوك يغلب عليها أنها أجنبية، ولم تعد السلطة سوى جهاز للقمع يمكن أن تستأجره البنوك والشركات، تعود السلطة كما بدأت جماعات من الصيادين الأقوياء والمغامرين المنفصلة في مصيرها ومشاعرها عن المدن والمجتمعات، وتعمل وتقتل وتدمر بلا قانون واضح أو مفهوم في الاجتماع والسياسة!
لا نملك في هذه المتاهة سوى أن ننخدع، نتظاهر بوجود الأعداء، نرص الصفوف لمواجهتهم، فذلك على الأقل يؤجل الكارثة أو يخفف منها، فلم تعد السياسة هي المعرفة والتمييز بين الضرر والنفع، ثم بناء سياسات ومواقف واتجاهات للحكم والمعارضة، تتجادل فيها التيارات والطبقات، لكنها مباراة أبدية لا تتوقف، تمضي الجماعات والنقابات فيها مثل نائحة مستأجرة أو عمالة سائبة.
الخطوة الأولى للخروج من اللعنة هي تحويل الصراع والجدل من كونه بين السلطة والمجتمعات إلى جدل بين تيارات واتجاهات سياسية واقتصادية، تؤيد كل اتجاه قواعد اجتماعية وطبقات وفئات ومصالح، وبغير ذلك فإننا ندمر كل ما تبقى لدينا.

الغد 2017-12-13



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات