عرب للايجار !

كان التصنيف القديم للعرب بين عاربة ومستعربة من افراز حقبة تاريخية مغايرة تماما لهذه الحقبة التي نعيشها قليلا ونموتها كثيرا ، ولو شاء المؤرخ الآن أن يصنف العرب المعاصرين أو من ينتسبون الى هذه الصفة ، فسيجد أنهم ثلاثة أنماط: عرب للايجار وعرب السّوق السوداء وعرب حتى النّخاع ، وهذه الفئة الثالثة هي التي تموت وتتعرض للابادة المزدوجة لأنها تفكر جدياً بالمستقبل وتحاول اضاءة الطريق أمام القادمين من أحفادها كي يتفادوا الكمائن والأفخاخ.
عرب الايجار موسميون ، ويرتدون هذا القناع عندما يكون السّوق مزدهراً وتبعاً لثنائية العرض والطلب من الناحية السياسية ، انهم عرب في النهار وغير ذلك تماما في الليل ، عرب في الصوت الجهوري وضد العروبة جملة وتفصيلاً بالهمس المتبادل.
ولأن العرب الآن يعيشون خريفاً سياسياً لن يدوم الى القيامة ، فإن كل من كان يهمس أصبح يصرخ ، وكأن البعير والثور معاً سقطا مضرّجين بدمائهما فكثرت السكاكين.
لن نقدم هنا تعريفاً لمن هو العربي ، لأن العروبة اتسعت عبر تاريخ لعدة أجناس وامتازت ثقافتها بدينامية فذّة قادرة على الامتصاص والدمج ، ثمة شعراء في مختلف العصور أصبحوا عرباً باللسان فقط ، بل بالذاكرة والوجدان وكذلك علماء في كل حقول المعرفة ، وقد يكون العصر العباسي قبل مرحلة التفتت والانهيار نموذجاً لهذه الدينامية ، ولا ندري لماذا أصبح العربي متهماً بالشوفينية اذا قال أنه عربي فقط ، ولم يقل شيئاً آخر؟.
لماذا ما هو حلال على كل أقوام الأرض محرم علينا؟ وهل أصبحت أسماؤنا عبئاً علينا وكذلك شواربنا ولون بشرتنا ولغتنا؟.
نعرف أن الشعوب عندما تتعاقب عليها الانكسارات ، تصاب باحباط مزمن وتوشك أن تفقد ثقتها بذاتها ، وتصدق كل ما يصدره ويسوّقه أعداؤها عنها وعن طبائعها ، وهناك مفارقات عجيبة مر بها الباحثون والمعلقون مرور الأشباح لا الكرام ، منها أنهم رأوا في سقوط زعماء يرفعون شعار العروبة سقوطاً للعروبة ذاتها ، إنهم يناقضون أطروحاتهم من حيث لا يدرون لأنهم يفترضون الذين طالما شككوا بشعاراتهم هم التجسيد الحيّ والكامل للعروبة والوجدان القومي.
لقد مرّت بنا فترة كان القرويّ يخجل من ريفيته في مدن هي أشباه مدن ، فيضطر الى الكذب كأن يقول أنه من هذه المدينة أو تلك ، ويعوج لسانه حسب متطلبات المقام ، ثم تطورت هذه الظاهرة الحربائية بحيث أصبح الفرنسي أو البريطاني من أصل عربي يغير اسمه ، وينكر مسقط رأسه ويؤلف لنفسه وعائلته سيرة ذاتية هي أشبه بالخرقة المهترئة ، لا تصمد ثانية واحدة أمام أصبع طفل،.
لا نفهم كيف يمكن للانسان أن يكون فرنسياً أحياناً أو عربياً في حفلة تنكرية ، هل لأن الفتاة الجميلة التي تزوجت من غنيّ أعور بدأت ترى عينه بعد أن أفلس؟ فسألته ذات صباح أسود عن عينه الكريمة؟.
ان خلع الجلد أو ما يسمى قلب المعطف على بطانته ، أسلوب قديم ومعروف في التاريخ ، يلوذ به الهاربون من هويتهم ، وبالتالي من ذاكرتهم وأنفسهم.
كيف نصدق عرب الايجار إذا عادوا يسبحون بحمد عدنان وقحطان عندما تمتلىء الخزائن ثانية؟ وكيف نصدق أن من لا يؤتمن على أبيه وكل أسلافه ، يمكن أن يكون أمينا على أبنائه أو تراب بلاده.
أخيراً ، بل أولاً وقبل كل شيء ، فإن أمة تعدادها ربع مليار ، لن تخسر كثيراً ، إذا أصبحت ألف رجل وامرأة فقط ، كلهم لا يباعون ولا يشترون ويموتون على قيد هويتهم؟ (الدستور)