طريق الحل وطريق اللا حل

صادفت يوم امس 29 تشرين الثاني ذكرى قرار تقسيم فلسطين في مثل يوم امس من العام 1947 ، وقضى هذا القرار الصادر عن الامم المتحدة بانهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم اراضيها الى ثلاثة كيانات جديدة اي تأسيس دولة عربية واخرى يهودية على تراب فلسطين وان تقع ثالثا مدينتا القدس وبيت لحم في منطقة خاصة تحت الوصاية الدولية.
ومن المؤسف ان الكثيرين من العرب ممن يدعون الحكمة اظهروا الندم لان الفلسطينيين والعرب لم يقبلوا بقرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة تحت رقم 181 ، وقد غفل هؤلاء عن عاملين الاول هو ان هذا القرار كان غير قابل للتنفيذ ، وكانت كل المدن والقرى الفلسطينية آنذاك هي مدن وقرى عربية فلسطينية فكيف يمكن اقناع الناس بالتخلي عن مدنهم وقراهم طوعا ، لكن القرار لم ينفذ لصعوبة اقناع الانسان الفلسطيني بالتخلي عن ارضه وبيته حينها ، ولكن لان سلطة الانتداب التي كانت صاحبة القرار في رسم مصير فلسطين لم ترد تنفيذ ذلك القرار او الاصح فرضه على الطرفين لتطبيق قرار الارادة الدولية الممثلة بقرار الامم المتحدة ,181
ولعل تذكر هذا القرار الذي هو بداية مسلسل القرارات الدولية والمبادرات الخارجية بما في ذلك احتكار امريكا للوصاية في العقود الاخيرة على القضية الفلسطينية عبر تحركاتها ومبادراتها ومشاريع الحلول التي طرحتها.. والقرار الصادر في 29 تشرين الثاني 1947 يذكرنا بالمبادرة الامريكية التي اطلقتها القوات المسلحة الامريكية ووزارة الدفاع مطلع هذا العام ، والتي اشرنا الى تفاصيلها وتداعياتها في مقال امس الاول حيث اقترح قائد القوات الامريكية في المنطقة باتريوس على القيادة العليا تبني اقتراحه بضم غزة والضفة لمجال منطقة العمليات للقوات الامريكية فيما يسمى المنطقة الوسطى.
ومن المؤسف جدا ان يمر هذا الاقتراح الذي تم طرحه في 16 كانون الثاني من هذا العام دون اي تفاعل عربي معه ، وانما ترك لاسرائيل ان تفشله وان تفترس هذا القرار وكل من يقف خلفه ابتداء من الرئيس اوباما الذي تحمس له وذلك البنتاغون وكل اركان الادارة الامريكية والديمقراطية الحالية،،
في العام 1947 تقرر انهاء الانتداب على فلسطين بما يخدم المشروع الصهيوني الذي حقق على انقاض ذلك كل ما يريده اليهود ، وشطب اليوم قرار تدويل القدس وبيت لحم وما حولهم ليتحول التدويل الى تهويد ، كما ان اسرائيل تضع يدها اليوم على كل فلسطين واقصى ما يطالب به العرب هو العودة الى حدود 4 حزيران 1967 اي الاكتفاء بخمس فلسطين.
لكن في ظل المتاهة التي عمرها 63 ومن 1947 وحتى اليوم كان واضحا ان الغرب لا يريد حلا للقضية الفلسطينية وكان يريد تسييل الوضع السياسي وتذويب الوضع وصولا الى ابتلاع كل فلسطين ، والاستراتيجية الامريكية الغربية التي ثبتت اغلاق الابواب في وجه اي حل خدمة لاسرائيل وتفوقها العسكري وثقل الغرب السياسي خلفها وهو ما عبر عنه بصلافة ووضوح وزير خارجية امريكا الاسبق هنري كسينجر الذي ذكر في مطلع السبعينيات ما نصه "هناك مشكلات لا حل لها وحلها في ابقائها بلا حل ما دام حلها سيحدث ضررا اكثر من الوضع الراهن" وضرب كسينجر مثلا بالقضية الفلسطينية المستحيلة،،
وهكذا فان كل ما مر من مؤتمرات وتحركات ومبادرات كان للصراع وابقاء الامر على ما هو عليه دون ان ينتبه الفلسطينيون والعرب الى ان كل المسيرة السلمية منذ القرار 242 في العام 1967 قائمة على نوايا سيئة مبيتة لا تهدف الى التوصل الى حل باي شكل من اي نوع عبر تضليل متعمد للسير في طريق الاوهام الذي لا يفضي الى نهاية،،
وافضل ما يفعله العرب هو ان يعلنوا الخروج من هذه المتاهة وطريق الدوران في الحلقة المفرغة وان يبدأوا ذلك بالاعلان عن سحب المبادرة العربية التي استخدمت ضدهم لتخديرهم للسير في طريق الضلال والاوهام وان يطالبوا بتبني اقتراح تدويل كل فلسطين كما كانت ، واضعف الايمان تدويل الضفة الغربية وغزة ولا بأس ان يحتلها حلف الاطلسي وذلك ارحم من ابدية احتلال اسرائيل لها وان يكون هذا الاحتلال لمرحلة انتقالية يمكن ان تكون 3 سنوات او خمس سنوات او اكثر المهم في النهاية ولو بعد عشر سنوات يعرف الفلسطيني ان ارضه تعود له وانه سيقرر مصيره عليها ، هذا هو السبيل الوحيد الذي يسقط اكذوبة امن اسرائيل وبالتالي الغرب على هذا الامن الذي سيكون في الحفظ والصون بيد الاطلسي الحاني على اسرائيل وهو حل سيكون مدعوما من كل العالم وفي مقدمتهم العرب لانه الطريق الوحيد لتحقيق حلم الدولتين في النهاية الذي يدعي اوباما بعد بوش انه يتبناه كل العالم وهو لا يتم الا عبر هذا الطريق الواضح وكل ما عداه هو على رأي كيسنجر اللا حل. (الدستور)