جرائم حرب وكارثة إنسانية بالغوطة الشرقية.. رسالة جديدة من الأسد لحلفائه وخصومه بعد قبوله وقف إطلاق النار

تم نشره الثلاثاء 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2017 09:59 صباحاً
جرائم حرب وكارثة إنسانية بالغوطة الشرقية.. رسالة جديدة من الأسد لحلفائه وخصومه بعد قبوله وقف إطلاق النار
جرائم حرب وكارثة إنسانية بالغوطة الشرقية

المدينة نيوز :- لقد فقدتُ زوجتي وأطفالي الأربعة: ولديّن وبنتيّن. وكان ابني الأكبر إذ كان غادر المنزل قبل الهجوم بدقائق، وهو الناجي الوحيد.

بهذه الكلمات يروي أبو فهد، وهو معارض سوري، وأحد سكان غوطة الشرقية، مأساته لموقع "ذي إنترسبت" الأميركي.

ابو فهد وهو اسم مستعار كان عائداً إلى منزله منذ عدة أسابيع، حين فَقَد 5 من أفراد أسرته، إذ كان يعمل في بناء تحصينات بحي جوبر ضمن الجهود المبذولة للحفاظ على الغوطة الشرقية، وهي منطقة يحتدم التنافس عليها على أطراف دمشق، في أيدي المعارضة. وقد توقَّف أبو فهد بمنزل أخته وهو عائدٌ في طريقه إلى بلدة كفر بطنا، حيث يسكن.

حينها سمع أبو فهد الغارات التي تشنها الطائرات في المنطقة. وذهب سريعاً إلى منزله، ليجده قد أُحيِل إلى ركام. وليكتشف أنه فقط أسرته باستثناء ابنه.

أين ذهبت الحدائق الغناء؟

وصارت الغوطة الشرقية، التي كانت في الماضي تشتهر بحدائقها الغنَّاء وبساتين الفواكه الواسعة، اليوم بلا ملامح، حسب وصف تقرير الإنترسبت.

فبعد مرور 7 سنوات تقريباً من الحرب، صارت الأرض الخصبة، التي كان يرويها نهر بردى، محاطةً بالمباني المقصوفة الناتجة عن الصراع المُسلَّح الدامي.

لكنَّ الأسوأ لم يأت بعد. إذ قاد الحصار، الذي فرضته الحكومة السورية على المنطقة، مواطني آخر معاقل المعارضة قرب دمشق إلى شفا مجاعة. وواصلت الحكومة السورية الهجوم على المنطقة في الأسابيع الأخيرة، وقصفتها وتسبَّبت في خسائر جسيمة بالمنطقة، التي عانت أشد المعاناة في أثناء الحرب.
لم يكن من المفترض أن يحدث هذا، فالغوطة الشرقية جزءٌ من خطةٍ دولية لتطبيق وقف إطلاق نارٍ مؤقت من أجل تخفيف وطأة الحرب الأهلية الدائرة.

انتهاك للاتفاق

تُعد الغوطة الشرقية إحدى "مناطق خفض التصعيد" الأربع في سوريا. إذ وافقت إيران وسوريا وتركيا في مباحثات السلام التي بدأت في وقتٍ سابق من هذا العام بكازاخستان على وقفٍ مؤقت إطلاق النار. والآن، من المفترض أن تكون اتفاقات وقف إطلاق النار هذه قيد التطبيق.

حين التقى ترامب وبوتين في فيتنام الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أصدرا بياناً مشتركاً "أكَّد على أهمية مناطق خفض التصعيد" -التي تضمنها إيران وروسيا وتركيا- بصفتها إجراءً مؤقتاً لتخفيف العنف، وتطبيق وقف إطلاق النار، وتمهيد الطريق لأجل الوصول إلى حل سياسي.

وعلى الرغم من أنَّ قرار وقف إطلاق النار قد اتُخذ منذ شهور، انتهكت الحكومة السورية الاتفاق انتهاكاً سافراً، واستمرت في الهجوم، كما حدث مع منزل أبي فهد. ولم تخف شدة العنف في الغوطة الشرقية والمناطق الأخرى حتى هذه اللحظة.

مقاومة مدنية

كانت الغوطة الشرقية مركزاً للمقاومة المدنية في الأيام الأولى من الثورة السورية. ولاحقاً، تحولت المنطقة إلى مسرح للمواجهة المسلحة بين الحكومة وبين مجموعات غير منظمة من قوات المعارضة.
وقد استغلت حكومة بشار الأسد وجود جماعات المعارضة في المنطقة لتبرير حملة العقاب الجماعي ضدها.
عبر السنوات، شملت تلك الحملة التجويع بالحصار، والقصف الجوي، والهجوم بالأسلحة الكيماوية، بما في ذلك هجوم كيماوي عام 2013 تسبب في قتل مئات من المدنيين، وذلك وفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". ويرى بعض الخبراء أنَّ استمرار هجمات الحكومة على الغوطة الشرقية، منتهكةً بذلك الاتفاقات الأخيرة، جزءاً من إستراتيجيةٍ أطول، تستغل فيها الحكومة المفاوضات كغطاءٍ لتحركاتٍ عسكرية.

قال ستيفن هايديمان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية "سميث"، ومؤلف كتاب "Authoritarianism in Syria: Institutions and Social Conflict, 1946-1970": "إنَّ تلك الهجمات استمرارٌ لجهود النظام لأجل فرض سلطته على البلد، والتخلص تماماً من وجود المعارضة في المناطق التي يعُدُّها حيوية لمصالحه الأمنية، ولجهود التعافي المستقبلية. وهذا يخبرنا بالكثير عن نيات النظام المستقبلية، ويُمثِّل إشارةً واضحة إلى أقصى درجة على أنَّ النظام، بصرف النظر عما اتُفق عليه على الورق، سوف يقرر وحده كيف يسعى وراء مصالحه بلا اعتبارٍ للاتفاقات الدولية".

وفي ظل مواجهة الحكومة السورية القليل من المعارضة الدولية لانتهاكاتها الواضحة -فبالكاد تحدثت الدول التي تفاوضت من أجل تشكيل "مناطق خفض التصعيد" عن الأمر- لا يبدو أنَّ هناك احتمالية كبيرة لأن تستغل حكومة الأسد تلك الفرص من أجل تخفيف العنف، وفقاً لما قاله هايديمان.

وأضاف هايديمان: "لم يُصدِر المجتمع الدولي أي رد على الإطلاق على تلك الهجمات قد يراها النظام إشارةً على وجوب تغيير سلوكه، وهو ما يُعَد بشكلٍ ما أكثر الأمور إشكالية. وهناك انفصالٌ عجيب بين النقاشات السياسية وبين ما يحدث في أرض الواقع، إذ يشعر النظام بأنَّ بإمكانه التصرُّف دون التعرُّض لأي عقوبة".

كارثة إنسانية وجرائم حرب

ورغم أنَّ المجتمع الدولي يغض الطرف عن الحصار والتفجيرات الأخيرة، تثير منظمات حقوق الإنسان مخاوفها إزاء الأمر الذي يتحوَّل إلى كارثة إنسانية.

وصرَّح فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، مؤخراً: "ترتكب الحكومة السورية جرائم حرب فجَّة في الغوطة الشرقية. وباستخدام إستراتيجية الحصار وقصف المدنيين البشعة، التي اعتادت عليها الحكومة -والتي فرضتها ببشاعة على حلب وداريا ومعاقل المعارضة الأخرى- يضطر السكان إلى الاستسلام أو الموت جوعاً".

الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، دعت الأمم المتحدة إلى إجلاء 500 مواطن من الغوطة الشرقية، كانوا قد انتظروا أسابيع للحصول على إذنٍ من الحكومة السورية من أجل نقلهم إلى مستشفياتٍ على بُعد أقل من ساعة من المنطقة.
ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية، قُتِل على الأقل 147 مدنياً في المنطقة جرَّاء القصف السوري والروسي في الفترة ما بين 14 و27 نوفمبر/تشرين الثاني. ولم يتوقف القصف منذ ذلك الحين.

رسالة النظام لحلفائه

قد يبدو من الصعب تفسير انتهاك الحكومة السورية حتى لقرارات وقف إطلاق النار المحدودة جغرافياً. ويربط بعض المحللين وقاحة تلك الهجمات بمحاولة الحكومة تأكيد استقلاليتها عن الاتفاقات السياسية التي تعقدها شريكتاها: إيران وروسيا.

يقول مصطفى جوربوز، المحلل السياسي في المركز العربي بواشنطن، والأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية: "يريد النظام السوري أن يُكشِّر عن أنيابه، ليس فقط لمعارضيه بل ولشركائه. ولا يريد نظام الأسد أن يكون دمية في يد روسيا ولا إيران، ويرى أنَّ الهجمات التي يشنها على مناطق خفض التصعيد مفتاحاً للفوز بالحرب على المدى الطويل".

كان الهدف من عقد اتفاقات خفض التصعيد هو المساعدة في حماية المدنيين من الهجمات، وتمهيد الطريق أمام التفاوض من أجل الوصول إلى تسويةٍ للنزاع. لكنَّ الاتفاقية لم تُغطِّ كل مناطق البلد، وكانت مدتها 6 شهور فقط. ونتيجة لذلك، شكَّك الكثيرون في أن تؤدي اتفاقات وقف إطلاق النار إلى نهاية تامة للحرب.

وهناك 4 مناطق لخفض التصعيد. وهي الغوطة الشرقية، التي يسيطر عليها جيش الإسلام، وهي جماعة معارضة تدعمها السعودية، وقد اتُّهِمت بارتكاب سلسلةٍ من انتهاكات حقوق الإنسان.
ومحافظة إدلب في شمال سوريا، التي يسيطر عليها تحالف متصل بتنظيم القاعدة. ومنطقتا الرستن وتلبيسة خارج حمص، في غرب سوريا، حيث يوجد أيضاً مقاتلون مرتبطون بتنظيم القاعدة. والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الجنوب، والتي تشمل أجزاءً من درعا والقنيطرة على الحدود السورية الأردنية.

وتُعَد سيطرة بعض الجماعات الجهادية الأكثر تطرفاً على مناطق خاضعة لوقف إطلاق النار هو السبب في كسر الاتفاق، إذ أنَّ تلك الاتفاقات لا تشمل الجماعات المتصلة بتنظيم القاعدة ولا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو ما يعني أنَّ جيش الأسد يمكنه شن هجمات جوية على تلك المناطق بالرغم من وجود مدنيين.

مصالح الأجانب

وقال بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق، والذي شارك في إنشاء مؤسسة "الشعب يريد التغيير"، والذي يعمل مع منظماتٍ لتقديم المساعدات الإنسانية وإقامة مشروعات للمجتمع المدني في سوريا، قال إنَّ الاتفاقات هدفها ضمان الدول الأجنبية لمصالحها قصيرة المدى في سوريا، وليس إنهاء النزاع ولا ضمان مستقبل أفضل للسوريين.

وأضاف بربندي: "أهم ما يميز محاولة الاتفاق بين تلك الدول الثلاث، إيران وروسيا وتركيا، أنَّ كلاً منها مؤثرة، لكنَّ إحداها لا تثق بالأخرى. فكل منها لديها أجندتها الخاصة".

وقال بربندي إنَّ تركيا، التي تدعم بعض جماعات المعارضة، تدعم الاتفاق. إذ يراه الأتراك وسيلةً لعرقلة قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي تدعمها أميركا ولتخفيف القتال في سوريا، حتى يتمكن اللاجئون السوريون في تركيا، والبالغ عددهم 3 ملايين، من العودة إلى وطنهم. وأضاف أنَّ إيران تريد زيادة نفوذها الإقليمي، وهو ما يعني إبقاء السلطة في يدي الأسد، بينما لا تهتم روسيا بالأسد بقدر ما تريد فرض نفوذها في منطقة البحر المتوسط.

هل روسيا جادة ؟

وجرى التصعيد الأخير في الغوطة الشرقية في ظل إجراء جولاتٍ عديدة من مباحثات السلام التي دارت في الأستانة بكازاخستان، والرياض بالسعودية، وسوتشي بروسيا. وأشار المدافعون عن حقوق الإنسان إلى أنَّ تلك المباحثات يجب أن تُركِّز على حماية المدنيين.

وقال نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش، في تصريحٍ قبيل مباحثات سوتشي: "لو كانت روسيا جادة بشأن حماية المدنيين في سوريا، فيجب أن تفعل المزيد لتحميهم من الغارات الجوية، وضمان أن يسمح حليفها في دمشق بدخول المساعدات إلى المناطق المحاصرة. وقد فشل العديد من اتفاقيات خفض التصعيد في تحقيق الحماية التي وعدت بتوفيرها لسكان تلك المناطق".

ورأى أفراد من المعارضة السورية مفارقةً في موقف روسيا، التي قصفت مراكز المدنيين عشوائياً منذ تدخلها لصالح الحكومة السورية منذ عامين، وتتصرف بصفتها حامية للسلام. وكانت رموز المعارضة قد غادرت اجتماعات الأستانة حين اقتُرح اتفاق خفض التصعيد أول مرة في مايو/أيار 2017.

وهناك خيارات قليلة لتطبيق الاتفاق. فقال أسامة أبو زيد، وهو ناشط سوري لعب دور المتحدث باسم المعارضة في جولات المباحثات الثلاث الأُوَل بالأستانة: "الآلية الوحيدة هي الاستمرار في الضغط، حتى لا يشعر الروس بأنَّه لا يوجد غيرهم في المنطقة. لكنَّ ما نراه هو أنَّ أميركا تراجعت بالكامل وهذا يُشعِر روسيا بارتياحٍ كبير، وبالتبعية يجعل إيران تشعر بارتياح، خصوصاً في منطقة دمشق والمناطق المحيطة في الجنوب".

وكانت الحكومة السورية قد وافقت في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017 مبدئياً على خطةٍ روسية لوقف إطلاق النار لمدة يومين في الغوطة الشرقية، مباشرةً قبل آخر مباحثاتٍ للسلام في جنيف، لكنَّها غيَّرت موقفها لاحقاً في اليوم ذاته.

المصدر : هافينغتوزن بوست

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات