الإعلام العربي و«ويكيليكس جيت»

غريبة وعجيبة ردة فعل الصحافة والإعلام العربيين على "تسونامي ويكيليكس" ، ومثيرةّ للرثاء والشفقة ، الطريقة التي غطى بها الإعلام العربي مسلسل الفضائح المبثوث تباعاً على شبكة الإنترنت ، إذ لولا حفنة قليلة من الصحف والمواقع ووسائل الإعلام الأخرى ، لسقط الإعلام العربي بالضربة القاضية الفنية ، ولقرأنا الفاتحة على الصحافة العربية ، وبكل اللغات ، ولقلنا على الإعلام السلام.
صدمة عقدت ألسنة صحفيين ورؤساء تحرير وكتاب أعمدة ، في صحف "عريقة" معروفة بارتباطاتها المالية والإدارية والسياسية ، بمراكز صنع القرار في عدد من العواصم العربية ، دفعت بالبعض منهم ، أو معظمهم ، لتجاهل الحدث والصدور صبيحة اليوم التالي ، كما لو أن شيئاً لم يحدث ، بانتظار - على ما يبدو - رصد اتجاهات هبوب الريح الصادرة من قصور "أولي الأمر" و"دووانيهم".
وما أن استفاق هؤلاء من هول الصدمة وتداعيات الزلزال وضرباته الارتدادية ، حتى بدأوا هجومهم السياسي ـ الإعلامي المضاد ، الوثائق غير مهمة ، دلالة التوقيت ، نظرية المؤامرة ، هذه ليست وثائق.
وبصورة انتقائية تماما - استنسابية وفقاً للتعبير اللبناني الدارج - تلقفت صحف ووسائل إعلام عربية ما يناسبها من "كنوز مغارة علي بابا" ، وجرى التركيز على كل ما يمكن أن يشكل إساءة للخصم وتجاهل كل ما يمكن أن يمس "أولياء النعم"...صحف عربية مهاجرة ومقيمة ، لم تبق قصاصة تمس إيران أو سوريا وحلفاءهما إلا ونشرتها ، وبصورة لا تحتمل الشك والتشكيك ، الطعن أو التأويل ، لكأنها حقائق ترقى إلى مستوى التنزيل ، أما عندما يتصل الأمر بفضائح "الدول المموّلة" و"أولي الأمر" على الضفة الأخرى ، فالقصة برمتها لا تعدو كونها "زوبعة في فنجان" لا تستحق الرد والتوضيح والتعليق ، وأحياناً ليست سوى فصل من فصول كتاب "نظرية المؤامرة".
في المقابل ، لم تدخر صحف ووسائل إعلام "المعسكر المقاوم" جهداً في إبراز "الشهادات والأدلة الدامغة" على سقوط الآخر وتهافته وتواطئه وتآمره ، أما حين يتعلق الأمر بسوءات ومساوئ "الممولين" و"أولي الأمر" ، فالقصة هنا تتكرر ، ويلجأ هذا "الإعلام المقاوم والممانع" إلى التورية والتمويه والإدانة والتنديد.
صحيفة نافذة ، لدولة كانت الأكثر تضررا بسهام ويكيليكس وشظاياه المتطايرة ، صدرت بعد أيام من "الفضيحة" بسلسلة من العناوين المستقاة من الوثائق التي يجري نشرها تباعاً ، على الصفحة الأولى ، وبـ"البونط العريض" ، جميعها تتحدث عن إيران ومرض المرشد بسرطان الدم والسياسة الإيرانية في العراق ، من دون أن تشير ولو بجملة واحدة ، إلى كثير مما أصاب صدقية النظام الذي تمثله الصحيفة من أعطال وضرر جراء نشر الوثائق.
ويكيليكس ، شر مستطير عندما لا ترضينا وثائقه ومعطياته ، ويصبح "مؤامرة" تستحق الدفن ، إن بالنقد والتشهير ، أو بالصمت والتجاهل ، ولكنه يصبح التعبير الأمثل عن "الحق في الحصول على المعلومة" و"الشفافية" و"حرية الإعلام" و"استقلالية الصحافة" عندما لا تصلنا سهامه وشظاياه ، وبالأخص حين يوفر لنا مادة دسمة للانقضاض على خصومنا المحليين والإقليميين والدوليين....وبعد ذلك يحدثونك عن حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام ؟ (الدستور)