ما الحل؟

تشير آخر المعلومات أنّ جماعة الإخوان في مصر تدرس الانسحاب من الانتخابات قبل جولة الإعادة، بعد أن فشل جميع مرشحيها في الفوز بالجولة الأولى، فيما بقي فقط 26 للجولة الثانية، في مقابل فوز قرابة 209 من الحزب الوطني في هذه الجولة من أصل 508 مقاعد.
الصورة تبدو معاكسة تماماً للجولة الأولى من الانتخابات المصرية في العام 2005، حين تمكّنت الجماعة من اكتساح الجولة الأولى، قبل أن تطلب "الجهات المرجعية" من جمال مبارك التنحي جانباً وتقوم بعملية "جراحية واسعة" أوقفت المد الإخواني عند حدود 88 مقعداً، وإلاّ لكانت تغيّرت المعادلة السياسية في مصر، وربما في المنطقة.
بالطبع، النتيجة الحالية لا تقدّم أي مؤشر معتبر، بأي حال من الأحوال، ذي دلالة لصعود الإخوان أو هبوطهم في الشارع المصري، بقدر ما تعكس انهيارا كاملا في صورة الانتخابات النيابية ومصداقيتها لدى الشارع المصري، الذي تسدّ السلطات أمامه المنافذ السلمية القانونية كافةً في محاولة التغيير.
الخطورة الكبرى فيما يحدث من أعمال عنف وقتل واحتجاجات على الانتخابات، بخاصة في المناطق العشائرية، أنّها تزوّر معنى العملية الديمقراطية وقيمها ومفهومها لدى الناس، فتنشأ الأجيال الجديدة وهي تخلط بين قيم العملية الديمقراطية وفلسفة الانتخابات والصورة الحالية المشوّهة المرعبة.
وكما الحال في العديد من الدول العربية اليوم، تبدو مقارنة صورة الانتخابات المصرية اليوم بالأمس (قبل ثورة الـ52) تعبيراً جليّاً عن حالة الردة والتراجع، ليس فقط السياسية بل الاجتماعية، عندما كان الناس يفاضلون بين الشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية، فيما تعلو اليوم لغة المال السياسي و"العصبويات القبلية" والانتهازية الشخصية لدى المرشحين!
حكومة ترعى البلطجة الدموية يوم الانتخابات وتمارس أشكال البطش كافة قبل ذلك بحق المعارضين وتقدم نموذجاً مذهلاً في تجاوز معايير النزاهة والاحترام لعقول الناس والمراقبين كافة.
كيف لمثل هكذا حكومة أن تكون مؤتمنة على حماية كرامة الناس وحريتهم وأموالهم، وكيف نطلب من العالم أن يحترمنا، وكيف يمكن أن نطالب الناس باحترام القانون وقيمة المواطنة، وهل يجرؤ مسؤول أن يطلب من الموظف أن يزوّر إرادة الناس وأن يقوم في الوقت نفسه باحترام وظيفته وعمله وأن يمتنع عن الرشوة وأن يكون وطنياً مخلصاً؟!
البلطجة والعنف الاجتماعي الشعبي وظاهرة الخروج على القانون في الطبقات الدنيا كل ذلك يعكس بلطجة أخطر وأكثر فتكاً تتم في الطبقات العليا، والمحصلة أنّنا ندفع أثماناً مكلفة وباهظة جداً من قيم المجتمع وحصانته الأخلاقية والوطنية ليس فقط في الحقل السياسي، بل في التعليم والعمل والسوق والعلاقة بين الناس. وكل يوم يمرّ يصبح الإصلاح أكثر تعقيداً وصعوبة.
إلى متى يمكن أن تستمر هذه اللعبة المخجلة؟
قبل الانتخابات الحالية غامرت جماعة الإخوان بالمشاركة مع عدد من الأحزاب المعارضة، كالوفد، فيما قاطعت الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة البرادعي وأعلن عدد كبير من المثقفين الموقف نفسه، وبعد الجولة الأولى أعلن الوفد انسحابه من العملية واعتبار مرشحيه الفائزين مستقليّن، في إشارة إلى أنّ قرار تيار المقاطعة كان الأصوب.
بعد الانتخابات، يبدو السؤال أكثر إلحاحاً؛ إلى أيّ مدى كان قرار إخوان مصر بالمشاركة خاطئاً وقرار (إخواننا) بالمقاطعة صائباً؟
وإذا كان هذان الخياران الممكنان مربكين ومحيّرين، فهل هنالك من يخبرنا عن الحلٌّ! (الغد)