الانتخابات المصرية: «أغلبية»..«أغلبيتان..«ثلاث أغلبيات»

تم نشره الجمعة 03rd كانون الأوّل / ديسمبر 2010 07:15 صباحاً
الانتخابات المصرية: «أغلبية»..«أغلبيتان..«ثلاث أغلبيات»
عريب الرنتاوي

تكشفت الانتخابات المصرية الأخيرة عن "أغلبيتين" ، لا أغلبية واحدة.. هذا ما ألمحت إليه "الإيكونوميست" الرصينة في معرض تناولها لانتخابات مجلس الشعب المصري ، "الأغلبية الأولى" ، الساحقة ، من كانت من نصيب مرشحي الحزب الوطني الحاكم الذين سيشغلوا أكثر من خمسة وتسعين بالمائة من مقاعد المجلس.. و"الأغلبية الثانية" ، وتتمثل في اتجاه فئات وشرائح متزايدة من الطبقة الاجتماعية التي تنتجها هذه الانتخابات ، للانفصال والابتعاد عن السواد الأعظم من الكادحين الذين يزدادون فقراً وعددا.

ونحن بدورنا نضيف إلى هاتين "الأغلبيتين الكاسحتين" ، "أغلبية ثالثة" ، وكاسحة أيضاً ، بل كاسحة أكثر من سابقتيها ، وتتمثل في الجموع الغفيرة من المستنكفين عن المشاركة في الانتخابات.. الذين فاقت نسبتهم الثمانين بالمائة وفقا لأغلب التقديرات ، أما وفقا للأرقام الرسمية ، فقد كانوا ثلاثة من كل أربعة ناخبين ، وهذا من باب أقل التقدير.

خلاصة تعليق "الإيكونوميست" ، أن الحزب الحاكم ، أي حزب حاكم ، بمقدوره أن يصل إلى "الأغلبية الساحقة" بوسائل "البلطجة" و"القمع" و"التزوير" ، لكن ما لا يدركه قصار النظر ، الفرحون بمكاسبهم الآنية ، أن الدول والأوطان والمجتمعات والشعوب ، هي الخاسر الأكبر في لعبة تزوير إرادة الشعب والناخبين ، وأن انفضاض الجماهير من حول النظام ومؤسساته السياسية والدستورية المختلفة ، هو "الوصفة المجربة" للخراب المُقيم.

والحقيقة أنني لم أقرأ نصاً واحداً خارج الرواية المصرية الرسمية لما حصل ، يثمن أو يشيد بالانتخابات شكلاً ومضموناً ، كل ما قرأته كان سلبياً ، وحدهم الفائزون من الحزب الوطني - وليس جميع الحزب الوطني - هم الذين يشيدون بنزاهة الانتخابات وشفافيتها ، هؤلاء مدينون لما هم فيه وعليه ، للحزب والحكومة والأجهزة والمؤسسات ، التي رسمت وخططت ودبرت ونفذت ، وأحالت "العرس الديمقراطي" إلى "مأتم وطني" عام ، هؤلاء هم الذين عنتهم "الإيكونوميست" في مقالها المذكور.

أما مثقفو السلطة ومنظروها فقد أدركوا بدورهم ، حجم المأزق المتأتي عن "البث المباشر" لمظاهر الانتهاك والتعدي و"البلطجة" ، ولم يعد بمقدورهم القول أنها انتخابات نظيفة ونزيهة وشفافة ، فلجأوا إلى ممارسة بعض التكتيكات "الديماغوجية" من نوع "نزع صدقية ونزاهة" جميع الانتخابات التي أجريت في الإقليم مؤخراً ، تماما مثلما يعمد المتورطون بجرم أو جناية أو انحراف إلى ادعاء أن الجميع سيفعل شيئا مماثلاً إن واجه ظروفاً مماثلة ، "ما حدا أحسن من حدا" ، كما أنهم لم يدخروا جهداً للانقضاض على التيار الإخواني ، وعلّقوا عليه كل الأوزار والمثالب بل والفضائح التي رافقت العملية الانتخابية ، وكأنه هو من يحكم مصر ، وليس الحزب الوطني.

ثمة تقييم سلبي عام للانتخابات المصرية ، ومن قبل معظم إن لم نقل جميع الدوائر الإقليمية والدولية ذات الصلة ، ثمة استياء مما سبقها ورافقها وأعقبها ، من تعديات وانتهاكات وتدخلات مريبة.. صورة مصر التي لم تكن ناصعة على صعيد الحرية والديمقراطية والتعددية ، تحوّلت من "الرمادي" إلى الرمادي الداكن ، حتى لا نقول إلى السواد ، ومكانة مصر بعد الانتخابات أقل شأناً مما كانت عليه قبلها ، وأسئلة الشرعية ستظل تطارد السلطات ، التنفيذية والتشريعية والقضائية ، بل وستظل تطارد النظام ، طالما أن الجميع مؤمنون بأن "مصر لم تنتخب" ، وأن إرادة الناخبين كانت موضع تلاعب وتزوير.

ولن يعود بوسعنا ، نحن الذي نقول بأن تيار الإسلام الساسي إلى تراجع على مستوى الإقليم ، أن نجزم بما إذا كانت مصر جزءا من مسيرة التراجع والتآكل هذه ، أم أن إسلامييها لديهم من طاقة الحركة والنشاط والدعوة ، ما سيمكنهم من النهوض من كبوة الانتخابات ، إلى ضفاف أوسع وأرحب.

جميع دول العالم تجري الانتخابات لتجديد الدماء في عروق نخبها المتيبسة ، وتجديد ثقة المواطنين بقيادتهم المنتخبة أو سحبها منهم ، هذا هو منطق تداول السلطة والانتقال السلمي إليها ، أما عندنا في أمة لسان الضاد ، فإن المسألة تبدو مغايرة تماماً ، الانتخابات ليست سوى غطاء لإعادة انتاج "ثالوث التمديد والتجديد والتوريث" ، وهي افتئات على حق الشعب في قول رأي حاسم ، واختيار من يريد وما يريد ، هي وسيلة لإدامة الأوتوقراطية وتجديد سلطتها تحت مبرر الخوف من صعود "الثيوقراطية" المتدثرة بلبوس الإصلاح والتغيير.

والخلاصة أن مصر بعد انتخابات 2010 لن تبقى كما كانت قبلها ، فالعلاقات بين مكونات المجتمع السياسي المصري ، وصلت حافة الهاوية ، ومناخات الإحباط تبدو متفاقمة بصورة منذرة بالخطر ، وآفاق التغيير والإصلاح باتت مسدودة في المدى المرئي والمنظور على الأقل ، الأمر الذي يشي بزيادة حدة الاحتقانات الاجتماعية ، ويشير إلى احتمال تنامي الميل المتطرف للتعبير غير الشرعي ، وغير السلمي ، عن المواقف والآراء.

وإذا كان من الجائز النظر لانتخابات 2010 البرلمانية على أنها "بروفة" لانتخابات 2011 الرئاسية ، فإن "المكتوب يقرأ من عنوانه" ، وعنوانه هذه المرة ، العودة لـ"99,99 بالمائة" ، وإعادة الاعتبار لمسلسل التوريث الذي يطوف في العواصم العربية ، كما تطوف الدراما التركية على شاشاتنا الفضيّة من محيط الوطن الذي كان هادرا ذات يوم ، إلى خلجيه الذي كان ثائراً هو الآخر. (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات